للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه: (شكٌّ ونفاقٌ): الشكُّ ضدُّ اليقين، وهو تردد بين التصديق والتكذيب، وشكُّ المنافقين مرضٌ في قلوبهم، وهو شكُّهم في توحيد الله وصدقِ الرسول، وفي اليوم الآخر، وهذا الشكُّ الذي في قلوبهم مع قولهم بألسنتهم: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} هو حقيقةُ النفاق، كما قال تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة: ٧٧]. وسُمِّيَ الشكُّ في الحق مرضًا؛ لأنه علَّةٌ في الإيمان والاعتقاد، وأضافه إلى القلوب؛ لأنها محلُّ الإيمان والاعتقاد؛ قاله ابن جرير (١).

وقولُه: (فهو يمرض قلوبَهم أي: يُضعفُها): أي: يُضعفُ إيمانَهم واعتقادَهم، فعبَّر بالمحلِّ وهو القلوب عن الحالِّ فيها، وهو الاعتقاد، كما تقدَّم.

وقولُه: (بما أنزلَه من القرآن لكفرِهم به): معناه أنَّ الله زادَهم مرضًا؛ بسبب ما أنزله من القرآن لمَّا كفروا به، فكفرُهم به مرضٌ في قلوبهم متضمِّنٌ للشك في قلوبهم، فيكون زيادةً على مرضهم الأول.

وقولُه: (مُؤلمٌ): يريد أنَّ {أَلِيمٌ} فعيل بمعنى اسمِ الفاعل مِنْ آلَمَهُ.

وقولُه: (بِالتَّشْدِيدِ … ) إلى آخره: يشيرُ إلى القراءتين في قوله: {يُكَذِّبُونَ}، بتشديد الذَّال وتخفيفِها، وهي: قراءة الجمهور؛ أي: قراءةُ التخفيف، ورجَّحها ابن جرير (٢)، قال: لأنها المناسبةُ لقوله تعالى في المنافقين: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}، فدلَّ على أنهم يكذبون في قولهم: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ}، ولا شك أنَّ قراءة التخفيف هي المناسبةُ لسياق الآيات، ومعناها هو الغالبُ على وصف المنافقين في القرآن، وقراءةُ التشديد صحيحةٌ، ومعناها حقٌّ؛ فإنَّ المنافقين في حقيقة أمرِهم مُكذِّبون، وهم في دعوى الإيمان كاذبون.

* * *


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٢٨٦ - ٢٨٨).
(٢) تقدم في (ص ٤١).

<<  <   >  >>