واضحٌ من لفظ الآية وفاتحتها أنها نزلت جوابًا لسؤالٍ سأَلَه بعضُ المسلمين النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ونصُّ سؤالهم؛ {مَاذَا يُنْفِقُونَ}؟ وهو مجملٌ يحتمل أنهم سألوا عن نوع ما يُنفقون، أو قدر ما يُنفقون، أو على مَنْ يُنفقون، فجاء الجواب متضمِّنًا بيانَ أَصنافِ مَنْ هو الأولى بالإنفاق عليه، وهم خمسة، وذلك في قوله تعالى:{فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، وجمهورُ المفسرين على أَنَّ المرادَ بالنفقة في هذه الآية نفقةُ التطوع (١)، فهي صدقةٌ وصِلةٌ في الأول والثاني -الوالدين والأقربين-، وصدقةٌ في الثلاثة الباقية -اليتامى والمساكين وابن السبيل-، ثم رغَّبَ تعالى في فعل الخير من أَيِّ نوعٍ كان من أنواع الطاعات المالية والبدنية، فقال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم (٢١٥)}، وذكر العلمِ يتضمَّنُ الوعدَ بالثواب العاجل والآجل؛ كقوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)} [آل عمران: ٩٢].
{يَسْأَلُونَكَ} يا محمد {مَاذَا} أي الذي {يُنْفِقُونَـ} هـ؟ والسائلُ عمرو بن الجموح، وكان شيخًا ذا مالٍ، فسأل النبيَّ عمَّا يُنْفِقُ وعلى مَنْ يُنفق {قُلْ} لهم {مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ} بيان لـ «ما» شامل للقليل والكثير وفيه بيان المنفق الذي هو أحد شقي السؤال وأجاب عن المصرف الذي هو الشق الآخر بقوله: {فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٦٤١ - ٦٤٢)، و «تفسير الماوردي» (١/ ٢٧٢)، و «تفسير البغوي» (١/ ٢٤٥).