للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)} [البقرة: ١٣١ - ١٣٣]:

يُخبرُ تعالى عن وقت اصطفائه لإبراهيم، وهو حين {قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ}؛ أي: استسلم بكمال الطاعةِ وإخلاصِ العبادةِ، فأجاب إبراهيمُ ربَّه لِمَا دعاه إليه وأمره به؛ {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، وهذه هي الربوبية العامَّةُ؛ وهي تقتضي الاستسلام لله من كلِّ أحدٍ، وبسبب هذا الاستسلام من إبراهيم عليه السلام اصطفاهُ ربُّه وابتلاه ليرقِّيه في درج الكمال من العلم النافع والعمل الصالح كما قال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)} [الأنعام: ٨٣].

ثم أخبر تعالى أنَّ إبراهيم عليه السلام وصَّى بكلمة الإسلام؛ وهي: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١)}؛ وهي كلمةُ التوحيد؛ لا إله إلا الله، وصَّى بها إبراهيمُ بَنِيه ووصَّى بها يعقوبُ بَنِيه قائلين: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ}؛ وهو دين الإسلام، {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أي: اثبتوا على الإسلام حتى يأتيكم الموت وأنتم عليه.

وقوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ … } الآية: خطابٌ من الله لليهود والنصارى بصيغة الاستفهام الإنكاري الذي معناه النفي؛ فإنَّ {أَمْ} هي: المنقطعةُ التي تُفَسَّر بـ «بل» والاستفهام؛ أي: لم تكونوا شهداء؛ أي: حاضرين عند يعقوبَ حين حضرَه الموتُ، وحين أكَّد وصيَّته لبنيه بلزوم الدين الذي اصطفاه الله لهم؛ أكَّد ذلك بسؤال بَنِيه عمَّا يعبدون من بعده؛ ليَعلم لزومَهم لوصيَّته ويطمئنَّ قلبُه على ثباتهم واستقامتهم على التوحيد، وأجابوه بما يُثلِجُ

<<  <   >  >>