يُخبِر -تعالى- في هذه الآيات خبرًا مؤكدًا بأنه -تعالى- سيَبتلي عبادَه المؤمنين بأنواعٍ من البلاءِ في الأموال والأنفس، بشيءٍ من الخوف والجوع ونَقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات؛ ليُظهر صبرَهم، ولذا أمر الله نبيَّه أن يُبَشِّرَ الصابرين لما لهم عند الله، ووصفَهم بأنهم الذين إذا أصابتْهُم مصبيةٌ؛ قالوا:{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون}؛ أي: نحن ملكُه وعبيدُه وصائرونَ إليه، ثم أخبر بجزائِهم وأثنى عليهم؛ فقال: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون (١٥٧)}: والصلاة مِنْ الله على عبادِه الصابرين: ذكرُه لهم وثناؤُه عليهم، والرحمةُ معنىً يقوم بالربِّ، وهو ضدُّ الغضب والعذاب، فيقتضي الرّضا عن المرحوم وصرفَ العذاب، يدلُّ لذلك قوله تعالى:{إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ}[الإسراء: ٥٤]، وقوله -تعالى- في الكتاب الذي عنده فوق العرش:((إنَّ رحمتِي تغلبُ غضبِي)) (١)، والمهتدون العالِمون بالحقِّ العاملون به، ومِن هُداهم: الصبرُ لله والتسليمُ لحكمه والرضا بقضائه.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ} للعدو {وَالْجُوعِ} القَحْط {وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ} بالهلاك {وَالْأَنْفُس} بالقتلِ والموتِ والأمراضِ {وَالثَّمَرَات} بالجوائحِ؛ أي: لِنَخْتَبِرَنَّكُمْ فننظرُ أتصبرون أم لا؟ {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ} على البلاء بالجنةِ. هم {الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} بلاءٌ {قَالُوا إنَّا لِلَّهِ} ملكًا وعبيدًا يفعلُ بنا ما يشاء {وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ} في
(١) أخرجه البخاري (٧٤٠٤)، ومسلم (٢٧٥١) عن أبي هريرة رضي الله عنه.