للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون (١٨٧)} [البقرة: ١٨٧]:

يُخبر تعالى عن حُكْمٍ يتعلَّقُ بصيام رمضان، وهو حِلُّ إِتيان النساء في ليالي صيامِ رمضان، فقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ}؛ أي: أَحلَّ اللهُ لكم، كما قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}؛ أي: كَتبَ اللهُ عليكم الصيام.

و {الرَّفَثُ} هو: الجماع (١)، وضُمِّنَ معنى: (الإفضاء) فعدي بـ «إلى» (٢)، والإفضاء: تلاقي الأبدان دون حائلٍ (٣)، وذلك يكون من الرجل والمرأة كما قال تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: ٢١]، وقال في هذه الآية: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، فمع الإفضاء يكون كلٌّ من الرجل والمرأة كاللباس للآخر.

ثم بيَّن سبحانه وتعالى سببَ هذا الإحلال، وهو ما يعلمه اللهُ منهم من خيانةِ أنفسهم بفعل ما حرَّمَ اللهُ عليهم من إتيان نسائهم، وكان الحكمُ في أول فَرضِ الصيام أَنَّ مَنْ نام في الليل وجب عليه الصيامُ حتى يُفطر من الغد، فوقع من عددٍ من المسلمين مخالفةٌ، وترتَّبَ على ذلك حَرجٌ ومشقَّةٌ؛ فنَسخَ الله ذلك بهذه الآية؛ فأحلَّ اللهُ لعباده ما كان حرامًا، وتاب على مَنْ وقع منه فعلٌ لِمَا يحرمُ عليه، فوفَّقه للتوبة وعفا عنه (٤).


(١) ينظر: «المفردات» للراغب (ص ٣٥٩ - ٣٦٠).
(٢) ينظر: «معاني القرآن» للأخفش (١/ ١٣٩ - ١٤٠)، و «الكشاف» (١/ ٣٨٨)، و «البحر المحيط» (٢/ ٢١٢).
(٣) ينظر: «لسان العرب» (١٥/ ١٥٧).
(٤) ينظر: «أسباب النزول» (ص ٤٩ - ٥٢)، و «العجاب» (١/ ٤٣٦ - ٤٤٧).

<<  <   >  >>