للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (١١٦) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧)} [البقرة: ١١٦ - ١١٧]:

يُخبر تعالى في هذه الآيات عن اليهود والنصارى والمشركين أنهم قالوا: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}، فاليهود قالوا: عُزيرٌ ابنُ الله، والنصارى قالوا: المسيحُ ابن الله، والمشركون قالوا: الملائكةُ بناتُ الله؛ كما ذكر الله ذلك عنهم، ثم سبَّح نفسَه عن قول المفترين من اليهود والنصارى والمشركين، ثم ذكر تعالى البرهانَ العقلي على امتناع أن يكون له سبحانه ولدٌ؛ فأخبر عن مُلكه للسموات والأرض وقنوت العوالم له، وأنه المبدعُ للسماوات والأرض؛ يعني المُبتدِئ لخلقهما على غيرِ مثالٍ سَبَق، وأنه تعالى إذا أراد أمرًا فما هو إلا أن يقول له كن فيكون كما أراد، وهذه الأمور الأربعة تدلُّ على كمال غِناه سبحانه، وأنَّ كلَّ ما سواه مخلوقٌ ومُفتقرٌ إليه، فعُلم أن لو كان له ولدٌ لكان مخلوقًا، ولم يكن ولدًا إلا بالاصطفاء كما قال تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الزمر: ٤]، ونظيرُ هذه الآية قولُه تعالى في سورة يونس: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: ٦٨].

{وَقَالُوا} بواو ودونها أي: اليهود والنصارى ومَن زعم أنَّ الملائكة بنات الله: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} قال تعالى: {سُبْحَانَهُ} تنزيهًا له عنه {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ملكًا وخلقًا وعبيدًا، والمُلكيَّةُ تنافي الولادة. وعبر بـ «ما» تغليبًا لِمَا لا يعقل {كُلّ لَهُ قَانِتُونَ} مطيعون، كلٌّ بما يُرادُ منه، وفيه تغليبُ العاقل. {بَدِيعُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} موجدهما لا على مثالٍ

<<  <   >  >>