للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)} [البقرة: ١٧٠ - ١٧١]:

يُخبرُ تعالى عن المشركين أنهم إذا دُعوا إلى اتِّباع ما أَنزل اللهُ على رسوله؛ قالوا: لا نتَّبعه، بل نتَّبعُ ما أَلفينا عليه آباءنا؛ أي: ما وجدنا، وهذا دأْبُ المشركين من الأُمم، يردُّون على الرُّسل ويحتجُّون باقتدائهم بآبائهم كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون (٢٣)} [الزخرف: ٢٣].

قال الله تعالى رادًّا عليهم: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠) المعنى: أَيتَّبعون آباءهم ولو كانوا لا يعقلون ولا يهتدون؛ فالاستفهام للإنكار والتوبيخ، وفي هذه الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة.

ثم ضرب سبحانه وتعالى لهؤلاء الكافرين في جهلهم وعدمِ عقلِهم مَثَلًا بالماشية التي لا تعقل مما تسمع إلا دعاءَ ونداءَ الراعي، ثم وصفهم تعالى بأنهم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}؛ لأنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس، فلهم آذانٌ لا يسمعون بها خيرًا، وأَعينٌ لا يُبصرون بها الآيات، وأَلسنٌ لا يتكلَّمون بها في حقٍّ، ولهذا قال تعالى: {فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)}، فلا يتفكَّرون ولا يتذكَّرون؛ لأنهم بإِعراضِهم سدُّوا على أنفسهم أبوابَ الهداية.

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أَي: الكفار {اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه} من التوحيد وتحليل الطيبات {قَالُوا} لا {بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا} وجدنا {عَلَيْهِ آبَاءَنَا} من عبادة الأصنام وتحريم السوائب والبحائر (١)؛ قال تعالى: {أَ} يتبعونهم


(١) السوائب جمع السَّائِبَةُ: وهي البعير يُسَيَّب بِنَذْر يكون على الرجل إن سلّمه الله من مرض، أو بلغ منزله أن يفعل ذلك. والبحائر جمع البحيرة؛ وهي الناقة إذا نتجت خمسة أبطن والخامس ذكر؛ نَحَرُوه فأكلَه الرجال والنساء، وإن كان الخامس أنثى بَحروا أذنها؛ أي: شَقُّوها، وكانت حرامًا على النساء لحمها ولبنها، فإذا ماتت حلّت للنساء. ينظر: «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص ١٤٧)، و «غريب القرآن» للسجستاني (ص ١١٩ - ١٢٠).

<<  <   >  >>