يُخبر تعالى خبرًا مؤكدًا بـ «قد» والقسم بأنَّ موسى جاء بني إسرائيل بالبينات؛ وهي الآيات الواضحاتُ، وهي التسع الآيات المذكورة في قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ}[الإسراء: ١٠١]، ثم إنَّ بني إسرائيل من بعد مجيء موسى بالبينات وبعد ذهابه لميقات ربه أضلَّهم السَّامريُّ فأخرج لهم عجلًا جسدًا له خوار، فقالوا: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٨٨)} [طه: ٨٨]، فاتخذوه إلهًا وعكفوا عليه وعصوا نبيَّ الله هارون لَمَّا نهاهم، وقالوا: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (٩١)} [ط: ٩١]، فكانوا بذلك ظالمين أعظمَ الظلم، وهو الشرك، فهذا معنى قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٩٢)}.
ونظيرُ هذه الآية قولُه تعالى في سورة النساء في عرض قبائح اليهود: {ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣)} [النساء: ١٥٣].
ونظيرهما قوله تعالى في الآيات السابقة في خطاب بني إسرائيل: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢)} [البقرة: ٥١ - ٥٢].
ثم أُعيد الخبرُ عن هذا المعنى في هذه الآية توبيخًا لليهود الذين إذا قيل لهم:{آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}؛ أي: ولا نؤمنُ بغيره، والخطابُ في هذه الآية والتي بعدها لليهود الموجودين زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم المخاطبين في الآيات السابقة من قوله:{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}، وما في هذه الآية عَودٌ على خطابهم بعد الخبر عنهم بلفظ الغيبة من قوله:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ}، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} هو