للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)} [البقرة: ٨ - ١٠]:

يخبر - تعالى - في هذه الآية وما بعدَها عن الصِّنف الثالث مِنْ الناس، وهم المنافقون الذين يُظهرون الإيمانَ ويُبطنون الكفرَ، فقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ}؛ أي: بعضُ الناس الذي يقولُ بلسانه: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} وما هو بمؤمنٍ في الباطن، فهو يقول بلسانِه ما ليس في قلبِه، وهذا هو النفاقُ الأكبر. ثم أخبرَ - تعالى - عن هؤلاء المنافقين أنهم بنفاقِهم يُخادعون الله ويُخادعون المؤمنين؛ أي: يفعلونَ ذلك ظانِّين أنهم يخدعونَ الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسَهم ولكنَّهم لا يشعرون بأنَّ خِدَاعهم راجعٌ إلى أنفسهم، فهم المخدَعون بهذا الخداعِ، ولا يَروجُ على الله ولا على الذين آمنوا؛ لأن الله يعلم السرائرَ فلا يخدعُه المخادعون، والذين آمنوا يعرفونَهم بلحنِ القول، وهذا ما دلَّ عليه الحصرُ في قوله: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ}.

ثم أخبر - تعالى - أنَّ في قلوب المنافقين مرضًا، وهو: الشكُّ في الحقِّ في الله ورسوله وكتابه وفي اليوم الآخر، ولذلك لم يكونوا مؤمنينَ على الحقيقة، بل يقولون بألسنتِهِم ما ليس في قلوبِهم، {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} على مرضِهم الأول فازدادوا كفرًا على كفرٍ {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة، وذلك بسبب كذبِهم في دعوى الإيمان، وقد أكذبَهُم الله بقوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) وقُرئ: {يُكَذّبون} بفتحِ الكاف وتشديد الذال (١)، ورجَّح ابن جرير القراءة


(١) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {يَكذِبون}، خفيفة بفتح الياء وتخفيف الذال. ينظر: «السبعة في القراءات» (ص ١٤٣).

<<  <   >  >>