للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)} [البقرة: ١٢٤ - ١٢٥]:

يُذكِّرُ اللهُ نبيَّه والمؤمنين ويُخبرهم أنه ابتلى خليلَه إبراهيمَ بكلماتٍ تتضمَّنُ أوامر ونواهي، فأتمهنَّ إبراهيمُ بالعمل بها، فجزاه اللهُ بأن جعله للناس إمامًا يُتَّبَع ويُقتدى به في طاعته لله وشكره لنعمه.

وقد اختلف المفسرون في تعيين المرادِ بالكلمات التي ابتُلي بها إبراهيمُ اختلافًا كثيرًا حكاه ابنُ جرير، ومما قيل في ذلك: أنها المناسكُ، أو أنها خِصالُ الفطرة، واختار ابنُ جرير أنه لا يجوز الجزمُ بأنَّ المرادَ جميعُ ما ذُكر من الأقوال، ولا الجزمُ بتعيين بعضها، فكلُّ ذلك مُحتملٌ، واللهُ أعلم بما أراد (١).

فسأل إبراهيمُ عليه السلام ربَّه أن يجعل من ذرِّيته أئمةً فوعده اللهُ ذلك، ولكنْ هذا الوعدُ الذي سمَّاه اللهُ عهدًا لا يَنالُ الظالمين من ذرية إبراهيم، فلا يكون من ذرِّيته إمامًا إلَّا من الصالحين المحسنين، وقد أخبر تعالى أنه صَدَقَ وعْدَه لخليله فجعل من ذرِّيته أئمةً؛ فقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: ٧٢ - ٧٣]، وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [العنكبوت: ٢٧]، وقال تعالى في بني إسرائيل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)} [السجدة: ٢٤].

ثم يُذكِّرُ تعالى بنعمةٍ أخرى على خليله إبراهيم عليه السلام وعلى أتباعه، وهو هذا البيت الذي جعله اللهُ مَثابةً للناس يتردَّدون إليه حُجَّاجًا وعُمَّارًا، وجعله سببًا لأمنِ كلِّ ما حوله من الحرم، وذلك بسبب دعاء إبراهيم عليه السلام.


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٤٩٨ - ٥٠٧).

<<  <   >  >>