للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم أمر سبحانه المرتادين لهذا البيت أن يتَّخذوا من مقام إبراهيم مُصلًّى؛ أي: يُصلُّوا عنده، وهو الحَجَرُ الذي كان يقوم عليه عند بنائه للبيت؛ فقال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، ولَمَّا فرغ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من طواف القدوم في حجته أتى المقامَ فصلَّى عنده وتلا قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (١).

ثم أخبر سبحانه أنه أمرَ إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت من الأقذار والأنجاس الحسِّيَّةِ والمعنويةِ ليكون مهيئًا للطائفين به والعاكفين والمصلِّين عنده؛ فقال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) ومعنى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ}: أمرناهما، وعدي الفعل بـ «إلى»؛ لأنه مُضمَّنٌ معنى: أوحينا؛ فالمعنى: أوحينا إليهما الأمر بتطهير البيت، و «أنَّ» في قوله: {أَنْ طَهِّرَا}: تفسيرية، وهي التي تأتي بعد القول أو ما في معناه.

{وَ} اذكر {إذْ ابْتَلَى} اختبرَ {إبْرَاهِيمَ} وفي قراءةٍ إبراهام {رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} بأوامرَ ونواهٍ كلَّفه بها؛ قيل: هي مناسكُ الحجِّ، وقيل: المضمضةُ والاستنشاقُ والسِّواكُ وقصُّ الشاربِ وفرقُ الرأسِ وقلمُ الأظفارِ ونتفُ الإبطِ وحلقُ العانةِ والختانُ والاستنجاءُ {فَأَتَمّهنَّ} أدَّاهُنَّ تامَّات {قَالَ} تعالى له: {إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا} قدوةً في الدين {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} أولادي اجعلْ أئمة {قَالَ لَا يَنَال عَهْدِيَ} بالإمامة {الظَّالِمِينَ} الكافرين منهم، دلَّ على أنه ينالُ غير الظالم. {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ} الكعبةَ {مَثَابَةً لِلنَّاسِ} مرجعًا يثوبون إليه من كلِّ جانبٍ {وَأَمْنًا} مأمنًا لهم من الظلم والإغارات الواقعة في غيره، كان الرجلُ يَلقى قاتلَ أبيه فيه فلا يُهيجه {واتَّخِذُوا}


(١) أخرجه مسلم (١٢١٨) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

<<  <   >  >>