للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيها الناس {مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم} هو الحَجَرُ الذي قام عليه عند بناء البيت {مُصَلًّى} مكانَ صلاةٍ بأن تصلُّوا خلفه ركعتي الطواف، وفي قراءةٍ: بفتح الخاء خبر {وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل} أمرناهما {أَنْ} أي: بأن {طَهِّرَا بَيْتِي} من الأوثان {لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} المقيمين فيه {وَالرُّكَّع السُّجُود} جمعُ راكع وساجد: المصلِّين.

وقولُ المؤلِّف: (اذكر): هذا تقديرٌ لمتعلق الظرف، وقد تقدَّمت الآياتُ نظيرَ هذا كثيرًا، وأول ذلك قوله تعالى: {إذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ} [البقرة: ٣٠].

وقولُه: (اختبرَ): تفسيرٌ للابتلاء بالاختبار، وهو كثيرٌ في القرآن، وأكثر ما يَرِدُ من تصاريف الفعل الثلاثي: {وَبَلَوْنَاهُمْ} [الأعراف: ١٦٨]، {وَنَبْلُوكُمْ} [الأنبياء: ٣٥]، {لَهُوَ الْبَلَاءُ} [الصافات: ١٠٦].

وقولُه: (قدوة في الدين): المعنى يقتدي به مَنْ بعده من النبيين والصالحين في التوحيد وطاعةِ الله والبراءةِ من المشركين حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملَّته قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٣]، وقد أخبر تعالى بتحقُّقِ هذه الإمامة في إبراهيم في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: ١٢٠]، فمعنى {أُمَّة}: أي إمامًا وقدوة (١).

وقولُه: (أولادي … ) إلى آخره: معناه أنَّ إبراهيم دعا ربَّه كما جعله إمامًا أن يجعل من ذرِّيته أئمةً فيدومَ الخيرُ ويعمُّ.

وقولُه: (بالإمامة) معناه: أنَّ عهد الله بالإمامة - وهو جعله مَنْ يشاء إمامًا - لا يصلُ لظالمٍ من ذرية إبراهيم، وإنما يجعل الإمامةَ في الصالحين من ذريته.


(١) ينظر: «الوجوه والنظائر» لمقاتل بن سليمان (ص ٤٨)، و «نزهة الأعين النواظر» (ص ١٤٤).

<<  <   >  >>