للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه: (الكافرين منهم): تفسيرٌ للظلم بالكفر، وهذا هو الأكثرُ في القرآن؛ كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُون} [البقرة: ٢٥٤]، وقوله تعالى: {فَإِنْ فَعَلْتَ} - أي: دعوت غير الله - {فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: ١٠٦].

وقولُه: (دلَّ على أنه ينال غير الظالم): هذا من الاستدلال بمفهومِ الصفةِ (١)، وهو الصحيحُ. وقولُه: (الكعبة): فسَّرَ البيتَ بالكعبة، والبيتُ والكعبةُ والمسجدُ الحرام يختلُف معناها في المواضع التي وردت في القرآن؛ فتارةً يُراد بالبيت الكعبة نفسها؛ كقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩]، وتارةً يُرادُ به الكعبة وما حولها من المسجد؛ كقوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وتارةً يُراد بالكعبة جميع الحرم؛ كقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥]، وتارةً يُرادُ بالبيت الكعبة وما حولها من المسجد وجميع الحرم؛ كقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} إلى قوله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٦ - ٩٧]، وتارةً يُراد بالمسجد: المصلَّى حول الكعبة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام … )) الحديث (٢)، وقيل: جميع الحرم، والأول أظهر (٣)، وقد يُراد بالمسجد الحرام جميع الحرم؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨]، وقد يُرادُ المصلَّى حول الكعبة وجميع الحرم؛ كقوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: ١٩١].


(١) وهو دلالة النص الذي قيد فيه الحكم بصفةٍ على انتفاء الحكم عما انتفت عنه هذه الصفة، وأثبته الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وجماعة من الفقهاء والمتكلمين وأهل العربية، ونفاه أبو حنيفة وأصحابه وابن سريج والقفال والشاشي. ينظر: «الإحكام» للآمدي (٣/ ٧٢)، و «روضة الناظر» (٢/ ٧٩٣ - ٧٩٥)، و «البحر المحيط في أصول الفقه» (٥/ ١٥٥)، و «إرشاد الفحول» (٢/ ٧٧٢).
(٢) أخرجه البخاري (١١٨٩)، ومسلم (١٣٩٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ينظر: «فتح الباري» (٣/ ٦٤).

<<  <   >  >>