للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم (٢٢٤) لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيم (٢٢٥)} [البقرة: ٢٢٤ - ٢٢٥]:

ينهى اللهُ -تعالى- عبادَه المؤمنين عن الحلف به سبحانه على ترك البر أو التقوى، أو ترك الإصلاح بين الناس، فقوله: {أَنْ تَبَرُّوا}؛ أَي: أَلَّا تبرُّوا ولا تتَّقوا ولا تُصلحوا.

وقوله: {وَلَا تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ}؛ أَي: لا تجعلوا اللهَ مُعَرّضًا للحلف به على أَلَّا تبرُّوا ولا تتَّقوا ولا تُصلحوا، وقيل: لا تجعلوا أَيمانكم بالله عُرضةً؛ أَي: مانعًا لكم عن البر والتقوى والإصلاح (١)، ونظيرُ هذه الآية في النهي عن الحلف على ترك البر والصلة قولُه تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم (٢٢)} [النور: ٢٢]، نزلت في أَبي بكر لَمَّا حلف أَلَّا ينفقَ على مِسْطحٍ؛ لخوضه في شأن عائشة رضي الله عنهم (٢)، وبناءً على ما سبق من حلف ألا يفعل برًّا أو معروفًا، فالمشروعُ في حقِّه أَنْ يفعلَ ما حلف على تركه ويُكفِّرَ عن يمنيه، قال صلى الله عليه وسلم: ((والله لا أَحلفُ على يمينٍ فأَرى غيرها خيرًا منها إلَّا أَتيتُ الذي هو خيرٌ، وكفَّرتُ عن يميني)) (٣).

وقوله: {وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم (٢٢٤)}: أَي: سميعٌ لأَقوالكم عليمٌ بما في قلوبكم، وسيجزيكم على أَقوالكم وأَعمالكم.


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٥ - ١٢)، و «الكشاف» (١/ ٤٣٦ - ٤٣٧)، و «زاد المسير» (١/ ١٩٤)، و «البحر المحيط» (٢/ ٤٣٩).
(٢) كما في حادثة الإفك التي أخرجها البخاري (٢٦٦١)، ومسلم (٢٧٧٠) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) أخرجه بنحوه البخاري (٦٦٢٣)، ومسلم (١٦٤٩)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

<<  <   >  >>