وقوله تعالى:{لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ}: أي: لا يُؤثِّمكم ولا يُعاقبكم، فلا تجبُ عليكم الكفارةُ بالحنث فيه. وقوله:{بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ}: المراد باللغو: ما لا يترتَّبُ عليه شيءٌ من الأَحكام، ولغو اليمين؛ قيل: المرادُ به ما يجري على اللسان من غير عقد القلب؛ كقول الرجل:«لا والله، وبلى والله»، وقيل لغو اليمين: هو حلفُ الإنسان على ما يظنُّ صِدقَه فيه (١).
وقوله:{وَلَكِن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}: أَي: ولكنَّ الإثمَ وجوبُ الكفارة بالحِنث في الأَيمان التي انعقد عليها القلبُ، فصارت من عمل القلب وكسبه قصدًا ونيَّةً وعزمًا؛ كما قال تعالى:{وَلَكِن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ}[المائدة: ٨٩].
{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ} أَي: الحلف به {عُرْضَةً} علَّةً مانعةً {لِأَيْمَانِكُمْ} أَي: لِمَا حلفتم عليه -سُمِّيَ باليمين لملابستِه له- أَنْ تفعلوه لـ {أَنْ} لا {تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} فتُكرَه اليمينُ على ذلك، ويُسَنُّ فيه الحنثُ ويُكفَّرُ بخلافها على فعل البرِّ ونحوِه فهي طاعة. المعنى: لا تمتنعوا من فعل ما ذُكر من البرِّ ونحوِه إذا حلفتم عليه؛ بل ائتوه وكفِّروا؛ لأَنَّ سببَ نزولها الامتناعُ من ذلك {وَاللَّهُ سَمِيعٌ} لأَقوالكم {عَلِيمٌ} بأَحوالكم. {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} الكائنِ {فِي أَيْمَانِكُمْ} وهو ما يَسبقُ إليه اللسانُ من غير قصدِ الحلفِ؛ نحو: لا والله وبلى والله؛ فلا إِثم فيه ولا كفَّارة {وَلَكِنْ
(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ١٤ - ٢٦)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٥٥٠)، و «تفسير القرطبي» (٣/ ٩٩ - ١٠٠).