يخبر - تعالى - أنه لا يستحيي من ضربِ المثل ببعض الأشياء الحقيرة، بأنه - تعالى - حكيمٌ يريد بيان الحقِّ لعباده في كلِّ طريق للعباد ويحصل لهم به الفرقان بين الحق والباطل؛ لهذا ضرب المثل بالذبابِ والعنكبوت، قال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} الآية [العنكبوت: ٤١]، ولو شاء - تعالى - لضرب المثل بأحقرَ من العنكبوت كالبعوضة.
ومن حكمته - تعالى - في ذلك: ابتلاءُ العباد ليتميَّز المؤمن من الكافر، ولهذا قال تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}، وبضرب هذا النوع من الأمثال يهدي الله كثيرًا ويُضِلُّ به كثيرًا؛ يهدي به المؤمنين، ويُضِلُّ به الفاسقين الذين يعترضون على الله في كلامه وبيانه؛ فيقولون فيما ضربه اللهُ من الأمثال مُعترضين على الله:{مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}. وأما الذين آمنوا فلا يعترضون على الله؛ لأنهم يعلمون أن ما جاء عن الله كلُّه حقٌّ.
والفاسقون: هم الخارجون عن طاعة الله بالكفر والنفاق ونقضِ الميثاق، ومِن فِسقِهم قَطْعُ ما أمرَ الله به أن يُوصل، وإفسادهم في الأرض بالمعاصي وبالصدِّ عن سبيل الله وقد حكم - تعالى - عليهم بالخسران؛ فقال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٢٧)}، والكفار والمنافقون هم أخسرُ الناس؛ لأنهم صائرون إلى النار خالدين فيها، فبذلك يخسرون أنفسَهم وأهليهم؛ كما قال