لمَّا ذكر الله النار ومَن أُعدّت لهم إنذارًا وتحذيرًا أمرَ نبيَّه أن يبشِّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بما أعدَّ لهم من الجنات التي تجري مِنْ تحتها الأنهار، وأخبر - تعالى - أنهم يُرزقون فيها من أنواع الثمرات المختلفة في الطُّعوم واللذات المتشابهة في الألوان لذلك كلما رُزقوا شيئًا من هذه الثمار؛ قالوا:{هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا}، والصواب أنَّ المراد ما رُزقوه مِنْ قبلُ في الجنة، وأخبر - تعالى - أنَّ لهم في الجنة أزواجًا مُطهَّرة من العيوب الخَلقية والخُلقية، وأنهم مع ذلك في الجنة خالدون؛ أي: مقيمون أبدًا؛ نسأل الله من فضله.
{وَبَشِّرِ} أخبرْ {الَّذِينَ آمَنُوا} صدَّقُوا بالله {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} مِنْ الفروضِ والنوافل {أَنَّ} أي: بأنَّ {لَهُمْ جَنَّاتٍ} حدائقَ ذات أشجارٍ ومساكن {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} أي: من تحت أشجارِها وقصورِها {الْأَنْهَارُ} أي: المياهُ فيها، والنهرُ: الموضعُ الذي يجري فيه الماء؛ لأن الماءَ يَنْهَرُهُ، أي: يحفرُهُ، وإسنادُ الجري إليه مجازٌ {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا} أُطعمُوا من تلكَ الجناتِ {مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي} أي: مثلَ ما {رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أي: قبله في الجنةِ لتشابهِ ثمارِها بقرينةِ {وَأُتُوا بِهِ} أي: جِيئوا بالرزقِ {مُتَشَابِهًا} يشبهُ بعضُه بعضًا لونًا، ويختلفُ طعمًا {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ} مِنْ الحورِ وغيرها {مُطَهَّرَةٌ} مِنْ الحَيضِ وكلِّ قَذَرٍ {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ماكثونَ أبدًا لا يَفْنَوْنَ وَلَا يَخْرُجُونَ.