للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم (٢٤٠)} [البقرة: ٢٤٠]:

ذكر كثيرٌ من المفسرين أَنَّ هذه الآيةَ منسوخةٌ بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}، بل حكى كثيرٌ إِجماعَ العلماء على ذلك (١)، وذهب بعضُ العلماء إلى أَنها ليست منسوخةً، وفي ذلك عن مجاهدٍ (٢) روايتان؛ رواهما عنه ابنُ جرير (٣)؛ فالذين قالوا بعدم النسخ؛ قالوا: الآيةُ الأُولى في وجوب التربُّصِ عليهنَّ أَربعةَ أَشهرٍ وعشرًا؛ وهي: عِدَّةُ الوفاة، فلا يحلُّ لهنَّ أَنْ يتزوجنَ في هذه المدَّةِ، وفي الآية الثانية وصيةٌ من الله لأَزواج المتوفَّى عنهنَّ بأَن يمتعنَ سنةً، وذلك بالسُّكنى في بيت المتوفَّى، فإِن شاءت أَقامت إلى تمام الحولِ، وإن شاءت خرجت، والمخاطَبُ بهذه الوصيةِ ورثةُ الميتِ، فعليهم متاعها بالسُّكنى؛ لقوله: {مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}، فليس لهم إِخراجُها إذا اختارتِ البقاءَ، وإن اختارت الخروجَ فلا جناحَ عليهم، وليس في الآية تعرُّضٌ للنفقة عليها مدَّةَ الحولِ، ولا لحكم نكاحهنَّ، كما أنه


(١) حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم؛ منهم: الشافعي، والجصاص، والماوردي، وابن عبد البر، وابن رشد، وابن عطية، وابن حجر، وغيرهم. ينظر: «الأم» (٦/ ٥٦٦)، و «أحكام القرآن» للجصاص (٢/ ١١٩)، و «الحاوي» (١١/ ٢٣٢)، و «التمهيد» (٤/ ٢٧٧)، و «المقدمات» (١/ ٥١٣ - ٥١٤)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٦٠٧)، و «فتح الباري» (٩/ ٤٩٣).
(٢) مجاهد بن جبر المكي، أبو الحجاج، تابعي جليل، مقرئ مفسر، حافظ ثقة، ولد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب فسمع من عدد من الصحابة، ولازم ابن عباس وقرأ عليه القرآن، وتلقى عنه التفسير، قال قتادة: «أعلم من بقي بالتفسير مجاهد»، توفي ساجدًا سنة (١٠٣ هـ)، وقيل غير ذلك. ينظر: «السير» (٤/ ٤٤٩)، و «طبقات المفسرين» للداودي (٢/ ٣٠٥).
(٣) «تفسير الطبري» (٤/ ٤٠٢، ٤٠٥).

<<  <   >  >>