للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليس في الآية الأُخرى تعرُّضٌ لسُكنى ولا نفقةٍ، إنما هو التربُّصُ بترك النكاح، فالآيتان في حكمين مختلفين، فلا تعارضَ بينهما.

وإذن: فلا ناسخ ولا منسوخ، وأَمَّا الذين قالوا: إِنَّ الآيةَ منسوخةٌ بالآية الأُخرى، فعندهم معناها: أَمرُ اللهِ الذين يُتوفَّونَ ولهم أَزواجٌ إذا حضرهم الموتُ أَنْ يُوصوا لأَزواجهم بالمتاع سنةً، فتُسكَن المتوفَّى عنها في بيت زوجِها، ويُنفق عليها من ماله، وعلى هذا فتعتدُّ المتوفَّى عنها سنةً، ولها السُّكنى والنفقة، ثم نُسخَ اعتدادُها سنةً بآية {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}، ونُسخت السُّكنى والنفقةُ بآية الميراث، وعلى هذا القول؛ فالوصيةُ من الأزواج الذين يُتوفَّون لأَزواجهم أَمرهم اللهُ إذا حضرهم الموتُ أَنْ يُوصوا لأَزواجهم بالمتاع سنةً؛ فالموصي هم: الأَزواجُ المتوفَّين، والموصَى إليهم هم: ورثةُ الميت، والموصَى له هنَّ: الزوجات، ويُشكِلُ على هذا أَنَّ المذكورين في الآية هم الذين ماتوا وتركوا أَزواجهم، فكيف يأمر مَنْ مات بأَن يُوصي؟! ولهذا احتاجَ أَهلُ هذا القول أَنْ يتأوَّلوا {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} بمَن حضرهم الموتُ، ومن الفرق بين الآيتين: أَنَّ المخاطَب في الآية الأُولى الزوجات، أُمِرنَ بالتربُّصِ بترك النكاح، والخطابُ في قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} لأوليائهنَّ، والمخاطَبُ في الآية الثانية في قوله: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} ورثةُ الميت، فنُسخت آيةُ الاعتدادِ سنةً بالاعتداد أَربعةَ أَشهرٍ وعشرًا، وقد أَشكل ترتيبُ الآيتين؛ فالآيةُ الناسخةُ ترتيبها في المصحف قبل الآية المنسوخة، وقد استشكل ذلك عبدُ الله بن الزبير رضي الله عنه فسأَل عثمانَ رضي الله عنه عن ذلك؟ فقال: «يا ابنَ أَخي، لا أُغيِّرُ شيئًا منه من مكانه» (١).

وقد رأيتُ أَنْ أُلخِّص ما ذكره ابنُ جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية لأَهميته وعِظم فائدتِه مع بعض التصرُّفِ؛ قال رحمه الله بعد ذكر الآية: «يعني تعالى ذِكرُه بذلك: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} أَيُّها الرجال {وَيَذَرُونَ


(١) أخرجه البخاري (٤٥٣٠).

<<  <   >  >>