للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)} [البقرة: ٣٤]:

يذكِّرُ - تعالى - بقوله للملائكة: {اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}، والقول المشار إليه في الآية هو قولُه تعالى للملائكة: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٧٢)} كما في سورة الحِجر وص [الحجر: ٢٩، ص: ٧٢]، فالمعنى في الآية: اذكرْ حين قلنا للملائكة: {اسْجُدُوا}، و «إذ» ظرفٌ في موضعِ المفعول به لـ «اذكرْ» المقدَّر. وقوله: {اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا}: أي سجد الملائكة كلُّهم أجمعون كما في سورة الحجر وص. وقوله: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)}: أي إنَّ إبليس لم يسجد لآدمَ، منعَه من السجود الاستكبارُ، فصار بذلك من الكافرين كما هو في علمِ الله، والصواب: أنَّ إبليسَ لم يكن من الملائكة بل مِنْ الجنِّ (١)؛ لقوله - تعالى - في الكهف: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: ٥٠].

{وَ} اذكُرْ {إذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم} سجودَ تحيةٍ بالانحناء {فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس} هو أبو الجنِّ، كان بين الملائكةِ {أَبَى} امتنعَ من السجود {وَاسْتَكْبَرَ} تكبَّرَ عنه وقال: أنا خيرٌ منه {وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} في علمِ الله.


(١) وهذا قول الحسن والزهري وقتادة وابن زيد وجماعة، والذي حققه ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (٤/ ٣٤٦): «أن الشيطان كان من الملائكة باعتبار صورته، وليس منهم باعتبار أصله، ولا باعتبار مثاله». ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٥٣٥ - ٥٤٣)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (٧/ ٢٣٦٦)، و «آكام المرجان في أحكام الجان» للشبلي (ص ٢٠٩ - ٢١٢).

<<  <   >  >>