للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٧٨)} [البقرة: ٧٨]:

يخبر تعالى أنَّ من اليهود فريقًا آخر هم أُمِّيُّون لا يفهمون معاني كتابهم التوراة، فلا يعلمون منها إلَّا التلاوة، وهو معنى {أَمَانِيَّ}، فهم يعلمون ألفاظها، ولا يعلمون معانيها، إلَّا ظنٌّ يظنونه، وهؤلاء هم عوامهم، وهذا على أحد القولين في تفسير: {أَمَانِيَّ}؛ وهو أنَّ {أَمَانِيَّ} جمع أمنية؛ أي: قراءة (١)، وضعَّفَ ابنُ جرير هذا القولَ (٢) وكذا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (٣)، وقالوا: أنَّ هذا يناقض قوله: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}، والأُميُّ هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، فكيف مع ذلك يوصفون بالعلم بقراءة الكتاب؟ والاستثناء على هذا القول متصلٌ.

والقول الثاني في الأماني: أنها الأحاديثُ الباطلةُ والتَّخرُّصات والتشهِّيات التي يُمنُّون بها أنفسهم (٤)، ومن ذلك قولهم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}، قال الله: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة: ١١١].

وقولهم: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}، قال الله: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥)} [البقرة: ١٣٥]. وقال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: ١٢٣]. والاستثناء على


(١) نسب هذا القول للكسائي وأبي عبيدة، واختاره الواحدي والجرجاني والسعدي. ينظر: «التفسير البسيط» (٣/ ٨٥ - ٨٦)، و «درج الدرر» (١/ ٢١٣)، و «تفسير السعدي» (١/ ٧١)، وشيخ الإسلام يرجح هذا القول في الكثير من كتبه. ينظر: «درء التعارض» (١/ ٧٧) و «مجموع الفتاوى» (١٤/ ٧١) (١٦/ ١٢) (١٧/ ٤٣٣).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ١٥٨).
(٣) ينظر: «أضواء البيان» (١/ ٩٤ - ٩٥)، و «العذب النمير» (١/ ١٦٦ - ١٦٧).
(٤) وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي العالية، واختاره الفراء. ينظر: «معاني القرآن» للفراء (١/ ٤٩ - ٥٠)، و «تفسير الطبري» (٢/ ١٥٦ - ١٥٧)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ١٥٢).

<<  <   >  >>