للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)} [البقرة: ١٩ - ٢٠]:

هذا مثلٌ آخرُ ضربَه اللهُ للمنافقين (١)، فقال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ … } الآية، والتقدير: أو مثلُهم كأصحاب صَيِّبٍ؛ وهو المطرُ النازل من السحاب، وفي السحاب ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ ومع الرعد صواعقٌ، ولذا أصحابُ الصَّيِّب الواقعون تحت السَّحاب يجعلون أصابعَهم في آذانهم من أصوات الصواعق يَحْذَرون الموتَ.

فهذا المثل كالذي قبله؛ تشبيهٌ تمثيليٌّ، فالمنافقون مع القرآن وما فيه من الوعدِ والوعيد والتهديد المُرعب للمنافقين هم كأصحاب هذا الصَّيِّب مع ما فيه من الظلمات والرعد والبرق والصواعق، فالظلماتُ مَثَلٌ للشبهات التي يظهرها المنافقون، والرعد والبرق والصواعق مَثَلٌ لِمَا في القرآن من الوعد والوعيد والتهديد الشديد الذي يجعل المنافقين يخافون أن يؤخذوا ويُقتلوا (٢).

وقوله: {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩)}: تهديدٌ للمنافقين وتصريحٌ بإطلاق اسم الكفر عليهم.

وقوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}: بيانٌ لحال أهل الصَّيِّب مع البرق الشديد، وأنه لشدة لَمَعانِه يقرب أن يخطفَ أبصارَهم، وأنه تارةً يُضيءُ


(١) قال شيخ الإسلام: «فإن المفسرين اختلفوا: هل المثلان مضروبان لهم كلهم، أو هذا المثل لبعضهم؟ على قولين، والثاني هو الصواب»، وذهب الطبري إلى أنهما صنف واحد. ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٣٥٤ - ٣٥٦)، و «الإيمان الكبير» (ص ٢١٧).
(٢) ويسمى هذا بالمثل المائي. ينظر: «مجموع الفتاوى» (١٠/ ١٠٢ - ١٠٣)، و (١٩ - ٩٥)، و «إعلام الموقعين» (٢/ ٢٧١)، و «اجتماع الجيوش الإسلامية» (٢/ ٦٨ - ٧٢)، و «الوابل الصيب» (ص ١٢٧ - ١٣٢).

<<  <   >  >>