للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون (١٨٦)} [البقرة: ١٨٦]:

يأمرُ اللهُ نبيَّه إذا سأله أَحدٌ من العباد عن ربه، بعيدٌ هو أو قريبٌ ممن دعاه؛ أَنْ يُخبرَه بأنه قريبٌ، وأنه يُجيبُ دعاه ويُعطيه سُؤْله، ثم أَمرَ العبادَ أَنْ يستجيبوا له سبحانه فيما دعاهم إليه من أنواع العبادات؛ من الصلاة والصيام والجهاد والصدقات، وأَن يؤمنوا به ربًّا وإلهًا وموصوفًا بكلِّ كمالٍ؛ ليرْشُدوا في أَمرهم كلِّه.

وسأل جماعةٌ النبيَّ «أقريبٌ ربُّنا فنناجيه أم بعيدٌ فنناديه؟» فنزل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} منهم بعلمي، فأَخبرهم بذلك {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} بإنالته ما سأل {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} دعائي بالطاعة {وَلْيُؤْمِنُوا} يُديموا على الإيمان {بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} يهتدون.

وقولُ المؤلِّف: (وسأل جماعة النبي … ) إلى آخره: يُشيرُ بذلك إلى سبب نزول الآية (١).

وقولُه: (منهم بعلمي): يُريد أَنَّ معنى قربِه -تعالى- من العباد: قربُه بعلمه، وهذا يقتضي أَنَّ القربَ في الآية قربٌ عامٌّ من جميع العباد؛ لأَنَّ علمَه -تعالى- لا يختصُّ بالداعين والعابدين، والأشاعرةُ ونحوهم لا يُثبتون إلَّا القربَ العامَّ، فعندهم أنه -تعالى- لا يَقربُ من شيءٍ، ولا يقربُ منه شيءٌ، بناءً على أنه -تعالى- في كلِّ مكانٍ، وأَمَّا أهلُ السنَّةِ فلهم في القُرب قولان:


(١) ينظر: «العجاب في بيان الأسباب» (١/ ٤٣٣ - ٤٣٤)، و «تفسير الطبري» (٣/ ٢٢٢ - ٢٢٣)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ٣١٤، رقم ١٦٦٧)، والحديث رواه الصلب بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم» فذكره. وزاد الدارقطني بين الصلب وأبيه رجل من الأنصار. وإسناده ضعيف، الصلب أو الصلت بن حكيم مجهول، وقد اختلف في إسناده. ينظر: «لسان الميزان» (٨٧١)، و «المؤتلف والمختلف» للدارقطني (٣/ ١٤٣٥).

<<  <   >  >>