في هاتين الآيتين رجوعٌ إلى أَحكام المطلقات، فبيَّن تعالى في الآية الأُولى أَنَّه لا جُناح -أَي: لا إِثمَ- على مَنْ طلَّقَ قبل المسيس، بل وقَبْل فَرضِ صَداقٍ، ثم أَمرَ تعالى مَنْ طلَّقَ في هذه الحال بتمتيع المطلَّقةِ بإعطائها ما تنتفعُ به من مالٍ جبرًا لكسرها بالطلاق، وأَنَّ ذلك حقٌّ على ذوي الإحسان، وأَنَّ قدرَ هذا المتاع بحسب حال المطلِّقِ يسارًا وإعسارًا، ولذا قال تعالى:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ}؛ أَي: المعروفِ شرعًا وعُرفًا.
ثم ذكر تعالى في الآية الثانية حُكمَ المطلَّقةِ قبل المسيس، وقد فُرض لها صداقٌ، وأَنَّ للمطلقة نصفَ ما فُرِضَ لها، والنصفُ الآخر للزوج.
وقولُه:{إَلاَّ أَنْ يَعْفُونَ}: الضميُر يعود إلى النساء المطلَّقات، فإن عفونا رددنا على الأَزواج كلَّ الصَّداق، وقال تعالى:{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}: قيل: المرادُ بالذي بيده عُقدةُ النكاحِ: الزوجُ، فإن عفا تركَ لزوجته المطلقةِ كلَّ الصَّداق، وقيل:{الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} هو: الوليُّ الذي يتولَّى عقدَ نكاح موليته، فإن عفا عن نصف الصَّداق رُدَّ إلى الزوج، والصوابُ:
(١) ينظر: «الكتاب الفريد» (١/ ٥٣٧)، و «تفسير الطبري» (٤/ ٣٠٨)، و «الكشاف» (١/ ٤٦٣)، و «البحر المحيط» (٢/ ٥٣٤).