للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم (٢٤٧)} [البقرة: ٢٤٧]:

يُخبر تعالى أَنَّ نبيَّ بني إسرائيل الذي طلبوا منه أَنْ يُعيِّنَ لهم ملكًا يقاتلون معه عدوَّهم الذي أَخرجهم من ديارهم وأَبنائهم، وهو جالوتُ وجنودُه، أَنَّ نبيَّهم قال لهم: {إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا}: فيحتمل أَنَّ بعثَ طالوت كان بوحي من الله على النبيِّ، ولعلَّ النبيَّ قد دعا ربَّه أَنْ يبعثَ له ملكًا منهم، فبعث اللهُ طالوتَ، ويحتملُ أَنَّ النبيَّ اختارَ طالوتَ لما رأى فيه من الصفات الحسيةِ والمعنويةِ التي تُأَهِّلُه لقيادة الجيش، ولكن بني إسرائيل كعادتهم لم يستجيبوا لنبيهم في اختيار طالوت، ولهذا قالوا: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا}؛ يعني: كيف يكون ملكٌ علينا {وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ}، ولعلَّ طالوتَ لم يكن من أَشرافهم (١).

قالوا: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} فيُقدَّمُ علينا بسببه، فردَّ عليهم النبيُّ بقوله: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ}؛ يعني: اختاره وفضَّله ببسطةٍ في العلم: من سعةِ العلم ووفرةِ العقل، وببسطةٍ في الجسم: طولًا وقوةً.

وقولُه: {وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم (٢٤٧)}: يحتملُ أَنْ يكون من تمام كلامِ النبي، ويحتملُ أَنْ يكون كلامًا مُستأنفًا للدلالة على أَنَّ مردَّ الاصطفاء والتفضيل إلى مشيئة الله، وأَنَّ اللهَ واسعُ الفضل والعطاء، عليمٌ بمَن يستحقُّ ذلك ومن لا يستحق (٢).


(١) قال المفسرون: إنما أنكروا أن يكون ملكًا عليهم؛ لأنه لم يكن من سبط النبوة، ولا من سبط المملكة، بل كان فقيرًا من أخمل سبط في بني إسرائيل. ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٤٤٨ - ٤٥٤)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٥ - ٦).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٤٥٦)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٧)، و «البحر المحيط» (٢/ ٥٧٦)، و «التحرير والتنوير» (٢/ ٤٩٢).

<<  <   >  >>