للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَاد (٢٠٥) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد (٢٠٧)} [البقرة: ٢٠٤ - ٢٠٧]:

يُخبر تعالى في هذه الآيات عن صنفين من الناس؛ أحدهما: يُخالفُ ظاهرُه باطنَه، وفعلُه قولَه، فقولُه يُعجبُ سامعَه لحُسن بيانِه ولِمَا يُظهره من دعوى الإيمان، حتى يُشهدَ اللهَ على ما في قلبه قائلًا: إنَّ اللهَ شاهدٌ على ما في قلبي من الإيمان، أو: يعلمُ اللهُ أني صادقٌ، وهو كاذبٌ في قوله، وهذا عينُ النفاق، وهو دَيدنه في حياته، يُعجبُ سامعَه كلامُه، ولكنه شديدُ اللددِ في المخاصمة، بكثرة الجدال والعناد، وعدمِ الانقياد مع الكذب والفجور والدعاوى الباطلة، وهو معنى قوله: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام (٢٠٤) وهذا الصنفُ هو المنافقُ المذكورُ في أَوَّلِ السورة في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِين (٨)} [البقرة: ٨]، وقوله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوا آمَنَّا} [البقرة: ١٤].

ولَمَّا ذكر اللهُ سوءَ أَقوالِه ذكرَ سُوءَ أفعالِه؛ فقال: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا}؛ أي: إذا ذهب وغاب عن الناس سعى في الأرض بالفساد؛ أي: بالمعاصي فيتسبَّبُ بذلك في إهلاك الأموال من الحروث والحيوانات، وتقبيحًا له ولفعله قال تعالى: {وَاللّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَاد (٢٠٥) إذًا: فلا يحبُّ المفسدين، وما أخبر تعالى أنه لا يُحبُّه فهو يُبغضه، ثم أَخبر تعالى عن تكبُّرِ هذا المفسد عن الحق؛ فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} يعني: إذا أمر بطاعة الله وترك المعاصي أَنف من ذلك، وحمله كِبرُه وعزَّتُه على ارتكاب الإثم معاندةً للحق، وهذا معنى: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ}، ثم توعَّده اللهُ بجهنم وأنها تكفيه نَكالًا، وله منها مهادٌ وبئس المهاد.

<<  <   >  >>