وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد (٢٠٧)}: هذا هو الصنفُ الثاني من الناس، وهو الذي يَشري نفسَه؛ أي: يبيعها في سبيل مرضاة الله؛ أي: يجود بنفسه ليرضي اللهَ، فرِضا الله هو أعلى مَطالبه، ولو أَدَّى ذلك إلى تلف نفسه كما يفعل المجاهدُ في سبيل الله، وهذا أَدلُّ دليلٍ على صِدق إيمانِه واستقامته في أقواله وأفعاله، وبهذا يظهرُ التقابلُ بين هذين الصنفين من الناس، فالأول هو المنافق، والثاني هو المؤمن الصادق.
وقوله تعالى: {وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد (٢٠٧)}: أي: عظيم الرحمة بعبادة المؤمنين، ومن رأفته ألَّا يُكلفهم ما لا يطيقون.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ولا يُعجبك في الآخرة؛ لمخالفته لاعتقاده {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} أنه موافقٌ لقوله {وَهْوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} شديدُ الخصومةِ لك ولأتباعك؛ لعداوته لك، وهو الأخنس بن شريق، كان منافقًا حلوَ الكلام للنبي، يحلفُ أنه مؤمنٌ به ومُحبٌّ له، فيُدني مجلسَه، فأكذبه اللهُ في ذلك، ومرَّ بزرعٍ وحُمُر لبعض المسلمين فأحرقَه وعقرها ليلًا كما قال تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى} انصرف عنك {سَعَى} مشى {فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} من جملة الفساد {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} أي: لا يرضى به {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ} في فعلك {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ} حملته الأنفةُ والحميةُ على العمل {بِالْإِثْمِ} الذي أُمر باتقائه {فَحَسْبُهُ} كافيه {جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} الفراشُ هي {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي} يبيعُ {نَفْسَهُ} أَي: يبذلها في طاعة الله {ابْتِغَاءَ} طلبَ {مَرْضَاتِ اللَّهِ} رضاه. وهو صهيبٌ، لما آذاه المشركون هاجر إلى المدينة وترك لهم مالَه {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} حيث أرشدهم لِمَا فيه رضاه.