للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧)} [البقرة: ٩٧]:

أمر اللهُ نبيَّه في هذه الآية أن يقول ردًّا على اليهود في قولهم: إنَّ جبريل الذي يأتي محمدًا بالوحي هو عدو يهود، وذلك أنهم سألوا الرسول مَنْ يأتيه بالوحي؛ فقال: ((جبريل))، فقالوا ما قالوا (١)، فأخبر تعالى أنَّ جبريل هو الموكل بالوحي فهو المنزل للقرآن على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم بإذن الله، فهو المَلَك الذي اصطفاه الله للنزول بالقرآن على قلب خاتم النبيين كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)} [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٤]، ومَن هذا شأنُه لا يُعاديه إلَّا مُلحدٌ كفور، وقد وصف الله تعالى هذا القرآن الذي نزل به جبريل بثلاث صفات، وموقعها في الكلام أحوال منصوبة، وذلك في قوله: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) وما بين يديه: ما قبلَه من كتب الله كالتوراة والإنجيل، وخصَّ المؤمنين بما في القرآن من الهدى والبشرى؛ لأنهم المنتفعون بما في القرآن من ذلك، وجبريلُ هو الملك الذي ينزل بالوحي على الأنبياء، وهو الذي نزل بالقرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم كما في هذه الآية وآية الشعراء، وهو الروحُ الأمينُ وروحُ القُدُس، قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ … } الآية [النحل: ١٠٢]، وهو {شَدِيدُ الْقُوَى (٥)} المذكور في سورة النجم، وهو الرسولُ الكريمُ المذكور في سورة التكوير. وجبريلُ على وزن قطمير، وهي لغة أهل الحجاز


(١) قيل: نزلت في عبد الله بن صوريا، وقيل: في مناظرة عمر مع أحد اليهود، وقيل: في عبد الله بن سلام. ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٢٨٣ - ٢٩٢)، و «أسباب النزول» (ص ٢٩ - ٣١)، و «العجاب» (١/ ٢٩٦ - ٣٠٠).

<<  <   >  >>