للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥)} [البقرة: ٦٥]:

المخاطَبون في هذه الآية هم المخاطَبون في الآيات السابقة، وتقدَّم أنهم بنو إسرائيل الموجودون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم النازلون حول المدينةِ مِنْ طوائفِ اليهود، يُذكِّرهم اللهُ في هذه الآية ما جرى من أسلافهم من الاحتيال على ما حرَّم اللهُ من الصيد يوم السبت، وهو المرادُ بالاعتداء، وما حلَّ بهم من العقوبة بسبب ذلك؛ {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥)}، والأمرُ أمرُ تكوينٍ لا يتخلَّفُ مُقتضاه، فصاروا قِردةً فمُسخت صورهم من صورة الإنسان إلى صورة القرد، والقردةُ: جمع قرد، وهو حيوانٌ معروفٌ. وقوله: {خَاسِئِينَ}: أي ذليلين مُهانين (١).

{وَلَقَدْ} لام قسمٍ {عَلِمْتُمُ} عرفتم {الَّذِينَ اعْتَدَوْا} تجاوزوا الحدَّ {مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} بصيد السمك وقد نهيناهم عنه وهم أهل أي لة {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} مُبعدين، فكانوها وهلكوا بعد ثلاثة أيام.

وقولُ المؤلِّف: (فكانوها): أي صاروا قردةً.

وقولُه: (وهلكوا بعد ثلاثة أيام): مثل هذا ممَّا يُتلقَّى عن بني إسرائيل، ولكنه لا يثبتُ إلَّا بدليلٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المشهور عند العلماء أنَّ الممسوخين لا يعيشون ولا يتوالدون (٢). والقردةُ: جنسٌ من الحيوان موجودٌ


(١) ينظر: «المفردات» للراغب (ص ٢٨٢).
(٢) لما جاء في صحيح مسلم (٢٦٦٣) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يجعل لمسخ نسلًا ولا عقبًا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك))، وجاء حديث آخر عند مسلم (٢٩٩٧) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فقدت أمة من بني إسرائيل، لا يدرى ما فعلت، ولا أراها إلا الفأر، ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه، وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته؟))، ولهذا اختلف العلماء في الممسوخ هل ينسل؟ على قولين، فقال قوم: يجوز أن تكون هذه القردة منهم، واختاره ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث» (ص ٣٧٣)، والقاضي أبو بكر ابن العربي في «أحكام القرآن» (٢/ ٣٣٢). وقال الجمهور بأن الممسوخ لا ينسل وأن القردة والخنازير وغيرها كانت قبل ذلك، وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأجوبة تنظر في: «المحرر الوجيز» (١/ ٢٤٣ - ٢٤٤)، و «تفسير القرطبي» (١/ ٤٤٠ - ٤٤٣)، و «شرح معاني الآثار» (٨/ ٣٢١ - ٣٢٧)، و «فتح الباري» (٧/ ١٦٠).

<<  <   >  >>