للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)} [البقرة: ١٧ - ١٨]:

هذا مَثَلٌ ضربه الله للمنافقين لإظهارِهم الإيمانَ وما حصل لهم مِنْ الانتفاع بذلك في الدنيا مِنْ عصمة أموالهم وأولادِهم وعيشهِم بين المسلمين، فإذا انتقلوا عن هذه الدنيا لم ينتفعُوا بذلك الإيمان؛ لأنه لم يكن إيمانهم صحيحًا؛ بل يُصيَّرون إلى أسوء العواقب، فمثلُهم في ذلك {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} فانتفعَ بضوئِها فيما حوله، ثم انطفأتِ النارُ فذهب الضوءُ واستحكمتِ الظلمة فصاروا {لَا يُبْصِرُونَ (١٧)} (١)، واسم الموصول «الذي» بمعنى: «الذين»، فلفظُه مفردٌ ومعناه الجمعُ؛ فعادتِ الضمائرُ أولًا باعتبار اللَّفظ ثم باعتبار المعنى (٢).

ومعنى {مَثَلُهُمْ}: صفتهم، {كَمَثَلِ}: أي كصفة الذي استوقدَ نارًا، وهذا من التشبيه التمثيلي، وحقيقتُه تشبيهُ هيئةٍ مجتمعةٍ من أشياء بهيئةٍ مجتمعةٍ كذلك.

وقوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)}: هذا وصف آخر للمنافقين، أخبر اللهُ فيه بأنَّ المنافقين صُمٌّ لا يسمعون سماعَ قبولٍ ينفعُهم، بُكمٌ لا يتكلَّمون بخيرٍ، عميٌ: لا ينظرون بأبصارِهم إلى آياتِ الله فيعتبرون ويهتدون، فلم ينتفعوا بأسماعهم ولا بألسنتِهم ولا بأبصارِهم، فلما لم ينتفعوا بشيء من ذلك كان وجودُها كعدمِها، فهذا وجه وصفهم بالصَّمَمِ والبكم والعمى؛ فلذلك لا يرجعونَ من نفاقِهم وطغيانهم وضلالِهم.


(١) ويسمى هذا بالمثل الناري. ينظر: «مجموع الفتاوى» (١٠/ ١٠٢ - ١٠٣)، و (١٩ - ٩٥)، و «إعلام الموقعين» (٢/ ٢٧٠ - ٢٧١)، و «اجتماع الجيوش الإسلامية» (٢/ ٦٣ - ٦٨)، و «الوابل الصيب» (ص ١٢٥ - ١٢٧).
(٢) ينظر: «معاني القرآن» للأخفش (١/ ٥٤)، «تفسير الطبري» (١/ ٣٣٢ - ٣٣٦)، و «الكشاف» (١/ ١٩١ - ١٩٢).

<<  <   >  >>