للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مَثَلهمْ} صِفَتُهم في نفاقِهم {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ} أوقدَ {نَارًا} في ظلمة {فَلَمَّا أضاءَتْ} أنارتْ {مَا حَوْله} فأبصرَ واستدفأَ وأمِنَ ما يخافُه {ذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ} أطفأه، وجُمِعَ الضميرُ مراعاةً لمعنى «الذي»، {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِرُونَ} ما حولهم مُتحيِّرين عن الطريقِ خائفينَ، فكذلك هؤلاء أمنوا بإظهارِ كلمة الإيمان، فإذا ماتوا جاءَهم الخوفُ والعذابُ، هم {صُمٌّ} عن الحق فلا يسمعونَه سماعَ قبولٍ {بُكْمٌ} خُرْسٌ عن الخيرِ فلا يقولونه {عُمْيٌ} عن طريقِ الهدى فلا يرونه {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} عن الضَّلالة.

وقولُ المؤلِّف: (صِفَتُهم): يريد أنَّ معنى المثل الصفة؛ كقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد: ٣٥] (١)، ووصفُ الشيء قد يكون بتمثيله بشيءٍ آخر؛ كما في هذه الآية، قال الله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا}، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: ٢٤].

وقولُه: (في نفاقِهم): يريد أنَّ المشبَّه في هذا المثَل هم المنافقون، أظهروا الإيمان فانتفعوا بذلك عصمةَ دمائِهم وأموالِهم، والعيشَ بين المسلمين، فشُبِّهوا بالذي استوقد نارًا فأضأت ما حولَهُ فانتفع بذلك وأبصر ما حوله وأَمِنَ، فانطفأَ الضوءُ، وعادت الظُّلمةُ فصار لا يُبصر وعاد الخوف، وهذا المستوقد شُبّه به المنافقون؛ آمنوا ثم كفروا وأبصروا ثم عمُوا (٢)، ويُسمَّى هذا التشبيه تشبيهًا تمثيليًا؛ لأنه تشبيهُ هيئةٍ مجتمعةٍ من أشياء بهيئةٍ مجتمعةٍ من أشياء، كما تقدم.


(١) ينظر: «الوجوه والنظائر» للدامغاني (ص ٤١٥ - ٤١٦)، و «نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزي (ص ٥٥١ - ٥٥٢).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٣٣٦ - ٣٤٤)، و «معاني القرآن» للزجاج (١/ ٩٣).

<<  <   >  >>