لا يزال الكلامُ مُتصلًا خطابًا لبني إسرائيل الموجودين زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا نقول في قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى}: واذكروا حين قال موسى لقومه، وقومُه: هم بنو إسرائيل، وهذا خبرٌ من الله عن موسى أنه قال لقومه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}، وقد بيَّن سبحانه في الآيات التالية سببَ أمرِ بني إسرائيل أن يذبحوا بقرةً، والحكمةَ من ذلك، كما في الآيتين (٧٢ و ٧٣).
وقوله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}: إخبارٌ من موسى عليه السلام لقومه أنَّ اللهَ يأمرهم بذبح بقرةٍ، ولَمَّا لم يعقلوا الحكمةَ من هذا الأمر ولم يكن عندهم إيمانٌ يوجُبُ التسليمَ لأمر الله أساؤوا الظنَّ بموسى عليه السلام فقالوا:{أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا}، فظنُّوا أمرَهم بذبح بقرةٍ استهزاءً من موسى بهم، ثم صاروا يتعنَّتون بالأسئلة عن البقرة، عن سِنِّها وعن لونها وعن صفتها، وفي كلِّ مرَّةٍ يدعو موسى ربه فيُجيبهم عمَّا سألوا، فكلَّما سألوا شُدِّد عليهم، ولو امتثلوا من أول الأمر لأجزأهم أيَّ بقرةٍ يذبحونها، ولكنَّهم لم يذبحوها إلَّا بعد تمنُّعٍ وتعنُّتٍ، وما كادوا يفعلون؛ كما قال تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)} [البقرة: ٧١].
وفي قصَّة البقرةِ ذِكْرُ بعضِ مساوئ بني إسرائيل؛ كجراءتهم على أنبيائهم، وعصيانِهم لأمر الله، وقسوةِ قلوبهم.
{وَ} اذكر {إذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} وقد قُتِل لهم قتيلٌ لا يُدرَى قاتلُه وسألوه أن يدعو الله أن يُبيّنه لهم فدعاه {إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا