للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِنْ رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم (١٩٩)} [البقرة: ١٩٨ - ١٩٩]:

يُبيِّنُ تعالى في هذه الآيات أنه ليس على الحاج جُناحٌ -أي: إثمٌ- في طلب فضل الله؛ أي: رِزقه بالتجارة في سفر الحج وفي مكة والمشاعر، وقد نزلت هذه الآيةُ لمَّا تحرَّج بعضُ المسلمين من الاتجار في الحج (١)، وإذا كان الحجُّ هو المقصودُ الأولُ في السفر لم يقدحِ الاتجارُ في النية، ولم ينقص به الثواب؛ لأنه -أي: الاتجار- حينئذٍ مقصودٌ بالتَّبع، أَمَّا إذا كان المقصودُ في السفر هو التجارة في موسم الحج، والحجُّ تابعٌ؛ فالاتجارُ لا يقدح في صحة الحج، ولكنه لا يبلغ منزلةَ من أنشأ السفرَ للحج، وأَخلص النيةَ لذلك (٢).

وقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}: أي: إذا دفعتم مُنصرفين من عرفة إلى مزدلفة بعد غروب الشمس؛ فاذكروا اللهَ عند المشعر الحرام، وهو جبلٌ صغيرٌ معروفٌ بالمزدلفة، وقف عنده النبيُّ صلى الله عليه وسلم (٣)، ويُطلَقُ هذا الاسمُ على كل مزدلفة، فيقال لها: المشعرُ، وجَمْعٌ، ومزدلفة (٤)، ويقال لتلك الليلة: ليلة عرفة؛ لأنها وقتُ الوقوف بعرفة، وليلة جَمْعٍ لنزول الحاجِّ فيها تلك الليلة. والوقوف بعرفة هو ركنُ الحج الأعظم، والوقوف بمزدلفة أحدُ مناسك الحج الواجبة؛ لقوله


(١) أخرجه البخاري (١٧٧٠)، (٤٥١٩) عن ابن عباس، وينظر: «أسباب النزول» (ص ٦٢ - ٦٣)، و «العجاب في بيان الأسباب» (١/ ٤٩٩ - ٥٠٤).
(٢) ينظر: «جامع العلوم والحكم» (١/ ٨١ - ٨٢).
(٣) أخرجه مسلم (١٢١٨) عن جابر رضي الله عنه.
(٤) ينظر: «معجم البلدان» (٢/ ١٦٣)، (٥/ ١٢٠ - ١٢١)، و (٥/ ١٣٣ - ١٣٤).

<<  <   >  >>