يُبيِّنُ تعالى في هاتين الآيتين ما يملكه الرجلُ من الطلاق، وهو ثلاثُ تطليقاتٍ تَبينُ المرأةُ بعدها، وفي ذلك إبطالٌ لِمَا كان عليه أَهلُ الجاهليةِ من طلاق المرأة ومراجعتها بلا حدٍّ ينتهي إليه، وكلما طلَّقها وأَوشكتْ أَنْ تنقضي عدَّتُها راجعها ثم طلَّقها ثم تركها، ويفعل ذلك إضرارًا بها، فقصرهم تعالى على ثلاث، فلا تحلُّ بعد الثالثة لمُطلِّقها حتى تنكحَ زوجًا غيرَه، ويطؤها ثم يُطلِّقُها وهذا من أَعظم موانع الإقدام على الطلاق، وفي هذا البيان من الله أَنه يُخيَّر بعد الطلقةِ الأُولى وبعد الثانية بين إِمساكها -وهو: ردُّها؛ أَي: المراجعة، ما دامت في العدَّة بنيَّة الإصلاح- أو تسريحها مع الإحسان إليها بتركها حتى تنقضي عدَّتُها، فتَبينُ منه بينونةً صغرى، فتكون أَملك لنفسها، فلا يملك مُطلِّقُها رجعتها إلَّا برضاها وبعقدٍ جديدٍ، فإن طلَّقها الثالثةَ بانت منه بينونةً كبرى؛ فلا تحلُّ له حتى تنكحَ زوجًا غيرَه زواجًا حقيقيًا لا بنيَّةِ التحليل، ويطؤها كما دلَّت على ذلك السنَّةُ الصحيحةُ في قصة امرأة رِفَاعة (١)، فإن نكحت على هذا الوجه ثم طلَّقها الزوجُ الثاني؛ حلَّت لزوجها الأَول بشرط أَنْ تظنَّ المرأةُ وزوجُها الأَولُ أَنهما سيقيمان أَحكام الله فيما بينهما، وهي: حدودُ الله التي حدَّها لكلٍّ من الزوجين، وقد بيَّن اللهُ سبحانه ذلك كله في قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ