وبمناسبة ذِكر الطلاقِ وأَنَّ الرجلَ قد يَعضِلُ المرأةَ التي يريد طلاقها؛ بيَّنَ سبحانه أَنَّه لا يحلُّ للزوج أَنْ يفعلَ ذلك ليأخذ شيئًا مما آتاها كما قال تعالى:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}[النساء: ١٩]، ثم استثنى سبحانه من ذلك ما إذا خاف الزوجان أو أَهلهما أَوْ ولاةُ الأَمر أَلا تستقيمَ حياتهما الزوجيةُ بأَن لا يُقيما حدودَ الله فيما بينهما، فلا جُناح عليهما حينئذٍ فيما افتدت به المرأةُ من مالها من مهرٍ وغيرِه ليُسرِّحها الزوجُ.
{الطَّلَاقُ} أَي: التطليقُ الذي يُراجع بعده {مَرَّتَانِ} أَي: اثنتان {فَإِمْسَاكٌ} أَي: فعليكم إِمساكهنَّ بعده بأَن تُراجعوهنَّ {بِمَعْرُوفٍ} من غير ضِرارٍ {أَوْ تَسْرِيحٌ} أَي: إِرسالٌ لهنَّ {بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ} أَيُّها الأَزواجُ {أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ} من المهور {شَيْئًا} إذا طلقتموهنَّ {إِلَّا أَنْ يَخَافَا} أَي: الزوجان {أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} أَي: لا يأتيا بما حدَّه لهما من الحقوق، وفي قراءة «يُخافا» بالبناء للمفعول. فـ «ألَّا يُقيما»: بدلُ اشتمال من الضمير فيه، وقُرئ بالفوقية في الفعلين {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} نفسها من المال ليُطلِّقها، أَي: لا حرج على الزوج في أَخذه ولا الزوجة في بذله. {تِلْكَ} الأَحكامُ المذكورةُ {حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
{فَإِنْ طَلَّقَهَا} الزوجُ بعد الثنتين {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} أَي: بعد الطلقة الثالثة {حَتَّى تَنْكِحَ} تتزوجَ {زَوْجًا غَيْرَهُ} ويطأها كما في الحديث رواه الشيخان {فَإِنْ طَلَّقَهَا} الزوجُ الثاني {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أَي: الزوجةُ