ثم أكَّد سبحانه وتعالى الإحلالَ بالإذن الصريح بمباشرة النساء وبالأكل وبالشرب إلى طلوع الفجر؛ فقال سبحانه:{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ}، قيل: من الولد أو من ليلة القدر، {وَكُلُوا وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}؛ أي: يتميز عندكم بياضُ النهار من سوادِ الليل؛ فعُلم بذلك وجوبُ الإمساكِ عند ذلك، ولهذا قال تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}؛ فعُلم بذلك وقت الصيام ابتداءً وانتهاءً.
وقوله:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}: نهيٌ من الله لمن كان معتكفًا في المسجد أَنْ يُباشرَ امرأته؛ أي: يُجامعها، ولو كان ذلك في البيت، فعُلم تحريمُ ذلك على المعتكف.
وقوله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ}: الإشارةُ إلى ما تقدَّمَ ذِكرُه من المنهيَّات من مُفسدات الصوم والاعتكاف، فالحدودُ في هذه الآية هي المحرمات، ولهذا قال:{فَلَا تَقْرَبُوهَا}، وأَصلُ الحدِّ: المنع (١)، فسُمِّيت المحرماتُ حدودًا لأنها ممنوعة، وتُطلقُ الحدود على ما لا يجوز تعدِّيه من المباحات والواجبات والمستحبات؛ كقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون (٢٢٩)} [البقرة: ٢٢٩].
وقوله:{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ} أي: مثل البيان المتقدِّم يُبيِّنُ آياته للناس؛ أي: يوضِّحها ويُفصِّلها. وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون (١٨٧)}: أي: ليتقوا اللهَ بترك ما حرَّم عليهم، و «لعلَّ»: للتعليل.
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} بمعنى الإفضاء {إِلَى نِسَائِكُمْ} بالجماع، نزل نسخًا لِمَا كان في صدر الإسلام من تحريمه وتحريمِ الأَكلِ والشربِ بعد العشاء {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} كنايةٌ عن تعانقهما