للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تناسب مع قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا} لأنها تؤدي إلى تضاد بين أول الآية وآخرها، ولأنها خلاف قراءة جمهور القَرَأة.

وقولُه: (لأنَّ وبالَ خداعِهم راجعٌ إليهم): هذا وجهُ الحصر في قوله: {وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنَفْسهمْ}، فضررُ خداعِهم لا يتعدَّاهم، فلن يضرُّوا الله شيئًا، ولا المؤمنين، والله يجزيهم بخداعِهم بأن يخدعَهم؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢].

وقولُه: (فيُفتضحون في الدنيا … ) إلى آخره: هذا وصفٌ لضرر خِداعهم في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا فضيحةٌ وتهديدٌ، وفي الآخرة خزيٌ وعذابٌ شديدٌ.

وقولُه: (يعلمون أنَّ خداعَهم لأنفسِهم): الشعورُ بالشيء هو العلم به (١).

وقوله تعالى: {وَمَا يَشْعُرُونَ} خبرٌ من الله بأنَّ المنافقين لا يعلمون أنَّ خداعَهم لأنفسهم، فضررُهُ عائدٌ إليهم، ولن يضرَّ اللهَ والمؤمنين شيئًا.

وقولُه: (والمخادعةُ هنا مِنْ واحد كعاقبتُ اللصَّ): يريد أنَّ المخادعة في هذه الآية من طرفٍ واحد، وهم: المنافقون، فلا يقال: إنَّ الله يُخادع المنافقين بل يَخدعهم، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ … } الآية [النساء: ١٤٢] (٢)، والصواب: أن المخادعة من الأفعال التي تكون من فاعلين كالمخاصمة والمدافعة، وهذا اختيار ابن جرير (٣).

وقولُه: (وذِكْرُ اللهِ فيها تحسينٌ): يريد أنَّ ذكرَ الله في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ}؛ تحسينٌ للكلام وتشنعينٌ على المنافقين بقصدِهم خداعَ الله، وليس لأنَّ الله يُخادع، وهذا مبني على ما اختاره المؤلِّف من أن المخادعة في الآية من واحد، وهم المنافقون؛ كما تقدم، وتقدم أن الصواب خلافه.


(١) ينظر: «لسان العرب» (٤/ ٤٠٩).
(٢) ينظر: «معاني القرآن» للأخفش (١/ ٤٠)، و «معاني القرآن» للزجاج (١/ ٨٥).
(٣) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٢٨١ - ٢٨٣).

<<  <   >  >>