للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَإِذْ قُلْتُمْ} وقد خرجتم مع موسى لتعتذروا إلى الله من عبادة العجل وسمعتم كلامَه {يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِن لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} عيانًا {فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ} الصيحةُ، فمتم {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} ما حل بكم {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ} أحييناكم {مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} نعمتنا بذلك.

{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ} سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس فِي التيه {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ} فيه {الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} هما الترنجبين والطير السُّمَانَى - بتخفيف الميم والقصر - وقلنا: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ} ولا تدَّخروا، فكفروا النِّعمةَ وادَّخروا، فقطع عنهم {وَمَا ظَلَمُونَا} بذلك {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ} لأنَّ وَبَاله عليهم.

وقولُ المؤلِّف: (وقد خرجتم مع موسى): يُبيّن بهذا أنَّ الذين قالوا: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}؛ هم الذين حضروا مع موسى لميقات ربه، وهم الذين قال الله فيهم: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا} [الأعراف: ١٥٥] (١).

وقولُه: (لتعتذروا إلى الله من عبادةِ العجلِ): يقتضي أنَّ موسى جاء لميقات ربِّه مرَّتين؛ مرَّةً قبل عبادةِ قومهِ للعجل، وهو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة: ٥١]، ومرَّةً بعد اتخاذهم العجلَ، وهو المذكور في قوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا … } الآيات، ففي المجيءِ الأوَّلِ كلَّمه ربُّه، وطلبَ موسى النظرَ إليه، وتجلَّى اللهُ للجبل، وخرَّ موسى صعقًا، وأعطاه اللهُ التوراةَ، وأخبره اللهُ بفتنةِ بني إسرائيل بالعجل، وإضلالِ السَّامري لهم؛ كما في قوله:


(١) قاله ابن مسعود وابن عباس، ولم يحك كثير من المفسرين سواه. ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٢١٦)، و «زاد المسير» (١/ ٦٧)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٢٦٥).

<<  <   >  >>