للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه: ٨٥]. والظاهرُ أنه لم يكن معه أحدٌ من قومه في هذه المرَّةِ، ولكنَّ اللهَ قد واعدَ بني إسرائيل أن يأتوا مع موسى لجانب الطور؛ كما قال تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ} [طه: ٨٠]، فتقدَّمهم موسى عَجِلًا إلى ربَّه، وكانوا على أَثره؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: ٨٣ - ٨٤]، ولكنهم تخلَّفوا وأَخلفوا الموعدَ لِمَا ابتلوا به من اتخاذ العجلِ إلهًا بإضلال السامريِّ لهم، فرجع موسى إلى قومه غضبانَ أسفًا، ومعه الألواحُ فيها التوراةُ؛ فذكَّرهم بمواعدة الله لهم، وأنكر عليهم إخلافَهم الموعد، واتخاذهم العجل إلهًا، وعاتبَ أخاه هارونَ وأنكر عليه إذ لم يتبعه حين ضلَّ قومُه كما في سورة طه.

وفي المرَّةِ الثانية كان معه سبعون رجلًا من قومه، وهم الذين اختارهم من قومه لميقات ربِّه، وليس في هذه المرِّةِ طلب النظر من موسى، ولا تجلٍّ، ولكن الذين معه طلبوا أنْ يُريهم اللهَ جهرةً، وهم الذين قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}، فأخذتهم الصاعقةُ فماتوا ثم بعثهم اللهُ، وفصَّل اللهُ ذلك في هاتين الآيتين. والصاعقةُ: صيحةٌ عظيمةٌ، وهي الرجفةُ المذكورة في قوله: {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ}، وسُمِّيت الصاعقةُ رجفةً؛ لأنها تُحدِثُ رجفانًا في الأرض؛ أي: زلزلةً (١)، كما سمَّى اللهُ صيحةً ثمودٍ وصيحةَ مدين رجفةً في سورة الأعراف والعنكبوت، والله أعلم.

وأمَّا قولُ المؤلِّف: (وسمعتم كلامَه): فليس في الآيات تصريحٌ بذلك، ولكنه وردَ في الآثار المرويَّة في تفسير الآية (٢)؛ فظهرَ ممَّا تقدَّم أنَّ اللهَ كلَّم موسى ثلاث مرات:


(١) ينظر: «لسان العرب» (١٠/ ١٩٨).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٢٩٣ - ٢٩٧)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (رقم ٥٣٦، ٥٣٩).

<<  <   >  >>