للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما ذكرتُه هو معنى ما ذكره الشيخُ عبد الرحمن السعدي رحمه الله (١) وهو من أحسن ما قيل في تفسير قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ … } الآية، وللطاهر ابن عاشور كلامٌ حسنٌ في الربط بين الآيات المتعلِّقةِ بتحويل القبلة من أربعةٍ وأربعين إلى خمسين بعد المائة (٢).

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت} لسفرٍ {فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِنَّهُ لَلْحَقّ مِنْ رَبّك وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} بالتاء والياء تقدَّم مثلُه، وكرَّره؛ لبيان تساوي حكمِ السفر وغيره. {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الحرام وحيث ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره} كرَّره للتأكيد {لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ} اليهود أو المشركين {عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} أي: مجادلةٌ في التولّي إلى غيرِه لتنتفي مجادلتهم لكم، من قول اليهود: يجحدُ دينَنا ويتبعُ قِبلتَنا، وقول المشركين: يدَّعي ملَّة إبراهيمَ ويخالفُ قبلتَه {إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} بالعناد فإنهم يقولون: ما تحوَّلَ إليها إلَّا ميلًا إلى دين آبائه، والاستثناءُ متَّصلٌ، والمعنى: لا يكون لأحدٍ عليكم كلامٌ إلَّا كلام هؤلاء {فَلَا تَخْشَوْهُمْ} تخافوا جدالَهم في التولي إليها {وَاخْشَوْنِي} بامتثال أمري {وَلِأُتِمّ} عطفٌ على «لِئَلَّا يَكُون» {نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} بالهداية إلى معالم دينِكم {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى الحق.

وقولُ المؤلِّف: (بالتاء والياء): إشارةٌ إلى القراءتين في قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، وقراءة الجمهور بالتاء على الخطابِ للمؤمنين، وبالياء على الإخبار عن أهل الكتاب.


(١) ينظر: «تفسير السعدي» (١/ ١٠٨).
(٢) ينظر: «التحرير والتنوير» (٢/ ٥).

<<  <   >  >>