للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعاصي فيظهرُ العدلُ بينهم، فقالوا: لن يخلقَ ربُّنا خلقًا أكرمَ عليه مِنَّا ولا أعلمَ لِسَبْقِنَا له ورؤيتِنا ما لم يره، فخلقَ الله - تعالى - آدمَ مِنْ أديمِ الأرض أي: وجهها، بأن قبضَ منها قبضةً من جميع ألوانِها وعُجنتْ بالمياه المختلفة وسوَّاه ونفخَ فيه الروحَ فصار حيوانًا حساسًّا بعد أن كان جمادًا.

وقولُ المؤلِّف: (اذكرْ يا محمد): يريد أنَّ الظرف «إذ» متعلِّقٌ بمحذوف تقديره: اذكر؛ فالمعنى: اذكر أيها النبي، حين قال الله للملائكة.

وقولُه: (يَخلُفُني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم): ما ذكره المؤلِّف في تفسير الخليفة، وهو أنَّ الخليفة آدم، وأنه خليفةٌ عن الله في تنفيذ أحكامه، هذا أحدُ الأقوال في معنى الخليفة (١)، واستشهد لهذا القول بقوله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: ٢٦]، قيل: ويؤيد هذا التفسير أنَّ الخبرَ عن الخليفة ذُكِرَ توطئةً لقصة آدم، ويُشكِلُ على هذا قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}؛ لأنَّ آدم لا يكون منه ذلك، وأيضًا الخليفة إنما يكون لِمن يغيب أو يموت، فالله لا يجوز أن يكون له خليفةٌ لهذا المعنى، بل هو - تعالى - يكون خليفةً لمن شاء عند غيبتِه أو بعد موته كما جاء في دعاء السفر: ((اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل)) (٢)، وكما قال صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال: ((إنْ يخرجْ وأنا فيكم فأنا حَجِيْجُهُ دونَكم، وإن يخرجْ ولستُ فيكم فامرئٍ حجيجُ نفسِه، واللهُ خَليفتي على كلِّ مسلمٍ)) (٣).


(١) وهو قول ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة. ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٤٧٩)، و «زاد المسير» (١/ ٥٠).
(٢) أخرجه مسلم (١٣٤٢) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه مسلم (٢٩٣٧) عن النواس بن سمعان رضي الله عنه.

<<  <   >  >>