للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهذا يُعلم أنَّ الصواب أنَّ المراد بالخليفة آدم وذريتُه؛ فإنَّ الله جعلهم خلائفَ في الأرض؛ أي: يخلُف بعضُهم بعضًا، وآدمُ عليه السلام خليفةٌ عمَّن سكن الأرض قبلَه من الجن أو الملائكة على قول جمهور المفسرين (١)، وعليه: فخليفة فعليةٌ بمعنى: فاعل، ويصح أن يكون بمعنى مفعول؛ أي: مُستخلَف، فاللهُ استخلف آدم عمَّن قبلَه واستخلف ذريتَه بعضَهم عن بعض وجعلهم خلائفَ في الأرض، وشواهد هذا المعنى في القرآن كثيرٌ.

وقولُه: (بالمعاصي)، وقولُه: (يُرِيقهَا بِالْقَتْلِ … ) إلى آخره: تضمَّن كلامُ المؤلِّف أنَّ الإفساد في الأرض بفعل المعاصي؛ وهي جميع ما حرَّمه الله، وأنَّ سفكَ الدماء يكون بالقتل، وهو من الإفساد في الأرض، فَعَطْفُه على الإفساد مِنْ عطف الخاص على العام، وتضمَّن كلام المؤلِّف الإشارة إلى سبب قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، وهو أنهم قاسوا آدمَ وذريته على سكان الأرض قبل آدم، وقد قيل: أنهم الجن كما أشار المؤلِّف (٢).

وقولُه: (مُتَلَبِّسِينَ): يريد أنَّ المعنى أننا نسبِّحكَ مُتَلَبِّسِين بحمدك، فالباء للملابسة، فيصير المعنى: نقول: سبحان الله وبحمده أو سبحان الله والحمد


(١) حكي هذا القول عن الحسن البصري، واختاره ابن كثير. ينظر: المصادر السابقة، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٢١٦). وفي «مفتاح دار السعادة» (١/ ٤٢٧ - ٤٣٢) تفصيل في قول: «فلانٌ خليفةُ الله في أرضه»، خلاصته: «إن أريد بالإضافة إلى الله أنه خليفةٌ عنه، فالصوابُ قولُ الطائفة المانعة منها، وإن أريد بالإضافة أن الله استخلفه عن غيره ممَّن كان قبله، فهذا لا يمتنعُ فيه الإضافة، وحقيقتُها: خليفةُ الله الذي جعله اللهُ خَلَفًا عن غيره. وبهذا يخرَّجُ الجوابُ عن قول أمير المؤمنين -يقصد علي بن أبي طالب-: «أولئك خلفاءُ الله في أرضه».
ولشيخنا مقال منشور في موقعه الرسمي بعنوان: هل يُقال: خليفة الله؟!
وينظر أيضًا: «مجموع الفتاوى» (٣٥/ ٤٢ - ٤٦).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٤٨٢) وما بعدها، و «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ٧٧، رقم ٣٢١ - ٣٢٣).

<<  <   >  >>