للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم أَخبر تعالى أَنَّه عالمٌ بما في نفوس العباد؛ أي: مُطَّلعٌ على ما يُسرُّونه مما يُخالفُ أَمرَه، فعليهم أَنْ يحذروا عقابَه؛ ولهذا قال: {فَاحْذَرُوهُ}. ثم أَعلمهم أَنَّه {غَفُورٌ} لذنوبهم {حَلِيم} لا يُعاجلهم بعقوبته، فجمعت الآيةُ بين الأَمر والنهي والوعد والوعيد.

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} لوَّحتم {بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} المتوفَّى عنهنَّ أَزواجُهنَّ في العدَّةِ؛ كقول الإنسان مثلًا: إنك لجميلةٌ، ومَن يجدُ مثلك؟ ورُبَّ راغبٍ فيك {أَوْ أَكْنَنْتُمْ} أَضمرتم {فِي أَنْفُسِكُمْ} من قصد نِكاحهنَّ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} بالخطبة، ولا تصبرون عنهنَّ، فأَباح لكم التعريضَ {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} أَي: نكاحًا {إِلَّا} لكن {أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} أَي: ما عُرف شرعًا من التعريض؛ فلكم ذلك {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} أَي: على عَقده {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ} أَي: المكتوبُ من العدَّةِ {أَجَلَهُ} بأَن ينتهيَ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} من العزم وغيرِه {فَاحْذَرُوهُ} أَنْ يُعاقبَكم إذا عزمتم {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لمن يَحذره {حَلِيمٌ} بتأخير العقوبةِ عن مُستحقِّها.

وقولُ المؤلِّف: (لوَّحتم): فسَّرَ التعريضَ بالتلويح، ومعناهما مُتقاربٌ، وكلاهما ضدَّ التصريحِ، فالتصريحُ نصٌّ في مُراد المتكلِّمِ به، والتعريضُ يُشعِرُ بمراد المتكلِّمِ به (١).

وقولُه: (المتوفَّى عنهنَّ … ) إلى آخره: بيانٌ للمراد بالنساء في قوله: {مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}.

وقولُه: (في العدَّة): مُتعلِّقٌ بقوله: {خِطْبَةِ النِّسَاءِ}.


(١) ينظر: «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص ٨٩).

<<  <   >  >>