للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ}: يدلُّ على أنهم لم يُعرضوا كلّهم بل أعرض أكثرُهم؛ فمعنى الآية: واذكروا حين أخذنا ميثاق بني إسرائيل بألا يعبدوا إلَّا الله ويحسنوا بالوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، ويقولوا للناس حسنًا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ولكنه قد تولَّى عن العمل بهذا الميثاق كثيرٌ منهم أو أكثرُهم.

والخطابُ في أول الآية وآخرها لأهل الكتاب الموجودين زمنَ النبوة، خصوصًا اليهود الذين حول المدينة. والخطاب في قوله: {لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ … } إلى آخره: لبني إسرائيل الذين أَخذ اللهُ منهم الميثاق.

{وَ} اذكر {إذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل} في التوراة وقلنا: {لَا تَعْبُدُونَ} بالتاء والياء {إِلَّا اللَّهَ} خبرٌ بمعنى النهي. وقُرئ {لا تعبدوا} {وَ} أحسنوا {بِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} برًّا {وَذِي الْقُرْبَى} القرابة عطف على الوالدين {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَقُولُوا لِلنَّاسِ} قولًا {حَسَنًا} من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد، والرفق بهم، وفي قراءةٍ بضمِّ الحاء وسكون السين مصدر وصف به مبالغة {وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة} فقبلتم ذلك {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عن الوفاء به، فيه التفاتٌ عن الغيبة، والمرادُ: آباؤهم {إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} عنه كآبائكم.

وقولُ المؤلِّف: (اذكر): جعل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولعلَّ الذي أوجب له ذلك التصريحُ بذكر بني إسرائيل بالاسم الظاهر، والأظهرُ أنه خطابٌ لبني إسرائيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (١)، يُذكرهم تعالى الميثاق الذي أخذ


(١) واختاره: الطبري، وابن عطية، وابن كثير، وابن عاشور. ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ١٨٧)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٢٦٨)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٣١٦)، و «التحرير والتنوير» (١/ ٥٨٢).

<<  <   >  >>