مصدرٌ وصف به مبالغة، فإنَّ الوصفَ بالمصدر يدلُّ على كمال الصفة في الموصوف؛ كقولك: زيدٌ عدلٌ؛ أي: عادلٌ. وهذا قولٌ حُسن؛ أي: حَسَنًا.
وقولُه:(فقبلتم ذلك): يريد أنَّ كلَّ ما تقدَّم من أمرٍ أو نهيٍ داخلٌ في الميثاق، وأنَّ بني إسرائيل قبلوا ذلك؛ كما يدلُّ له قوله:{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ}.
وقولُه:(أعرضتم عن الوفاء به): يُبيِّنُ أنَّ معنى {تَوَلَّيْتُمْ}: أعرضتم، فعُلم أنهم لم يَفوا بالميثاق.
وقولُه:(فيه التفاتٌ عن الغيبة، والمراد: آباؤهم): يريد أنَّ في قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} التفاتٌ؛ أي: انتقالٌ عن الخبر عن بني إسرائيل بأخذ الميثاق منهم إلى خطاب بني إسرائيل الموجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهم اليهود، والمرادُ: توبيخُ الموجودين، والخبر عن أسلافهم، كما قيل في نظائر ذلك في الآيات السابقة؛ كقوله:{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ}[البقرة: ٥٢]، {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ}[البقرة: ٥٦]، {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ}[البقرة: ٥٧].
وقولُه:(عنه كآبائكم): يريد وأنتم يا معشر يهود، مُعرِضون عن موجب الميثاق كما أعرض آباؤكم من قبل، وعلى هذا فالجملةُ مُستأنفةٌ، فكأنه قيل: وأنتم مُعرضون كما أعرض أباؤكم، فتضمَّنت الآية الخبرَ عن إعراض الآباء في قوله:{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ}، وعن إعراض الأبناء في قوله:{وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}(١).
* * *
(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٢٠٠)، و «معاني القرآن» الزجاج (١/ ١٦٤)، و «التحرير والتنوير» (١/ ٥٨٤).