للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مواضعُه، فلا ينتفعون بما يسمعونَه مِنْ الحق {وَعَلَى أَبْصَارِهمْ غِشَاوَة} غطاءٌ فلا يُبصرون الحقَّ {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ} قويٌّ دائمٌ.

وقولُ المؤلِّف: (كأبي جهلٍ وأبي لهبٍ): يُبيِّنُ بهذا أنَّ المرادَ بـ {الَّذِينَ كَفَرُوا} في الآية هم الذين عَلِمَ اللهُ أنهم يموتون على الكفر (١)، ومنهم: أبو جهل وأبو لهب، وأصحابُ القَلِيب، وهم: الذين قُتلوا في بدر من المشركين، وطُرحوا في القَليب، فهم ممن قال الله فيهم: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: ٧]، وقال الله فيهم: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: ١٠].

وقولُه: (بتحقيقِ الهمزتينِ وإبدالِ الثانية أَلِفًا … ) إلى آخره: يبيِّنُ بذلك القراءاتِ في الهمزتين، وذكرَ فيها أربعَ قراءاتٍ (٢).

وقولُه: (لعلمِ اللهِ منهم ذلك): يريد أنَّ الله أخبرَ بنفي إيمانهم، وما أخبرَ بنفيه لن يكون، ومَن أخبرَ اللهُ بنفي إيمانِه فلن يؤمنَ، وحينئذٍ فإنذارُه وعدمُه سواءٌ، ومَن عُلِمَ أنه لا يؤمن فلا يُشرعُ إنذارُه، ومثل هؤلاء مثل قوم نوحٍ الذين قال الله فيهم: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود: ٣٦]، ولذا أخبر - تعالى - أنَّ الإنذارَ لا يُجدي، ولذا إنذارُه إيَّاهم وعدمُه سواءٌ، فلا طمعَ في إيمانهم.

وقولُه: (والإنذارُ: إعلامٌ مع تخويفٍ): ولذا يقترن الإنذارُ بذكرِ العذاب كثيرًا؛ كقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: ٤٦]،


(١) ينظر: «تفسير ابن عطية» (١/ ١١٠ - ١١١)، و «زاد المسير» (١/ ٢٩)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ١٧٣).
(٢) ينظر: «السبعة في القراءات» (ص ١٣٥) وما بعدها، و «الحجة للقراء السبعة» (١/ ٢٤٤).

<<  <   >  >>