للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذو الحجة؛ قال: لا يجوز تأخيرُ شيءٍ من أعمال الحج عن شهر ذي الحجة، ومُتعلّقُ هذا الخلاف طوافُ الإفاضة (١).

وقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} أي: أَوجبَ على نفسه الحجَّ بالشروع فيه؛ فإنه يجبُ بمجرد الإحرام به وإن كان تطوعًا، ويجبُ إتمامه؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة: ١٩٦]، والإحرام به يبدأُ وقتُه من أول ليلة من شوال، ولا يصحُّ قبل ذلك على الصحيح، وهو مذهب الشافعي (٢)، وآخرُ وقتِه: آخرُ ليلةِ النحر إذا بقي مقدار ما يمكن فيه إدراكُ الوقوف بعرفة قبل طلوعِ الفجر، وهو إجماعٌ كما تقدَّم.

وقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}: النفيُ في هذه الجمل بمعنى النهي؛ أي: فلا يرفثْ ولا يَفسُقْ ولا يُجادلْ، والرفثُ: الجماعُ ودواعيه والكلامُ فيه بحضرة النساء، والفسوقُ: جميعُ المعاصي، ومنه محظورات الإحرام، والجدالُ في الحج: هو الجدالُ حالَ الإحرام في أي أمرٍ يختلف فيه، ومنه الجدالُ في أحكام الحج ومناسكه، فعُلم بذلك أَنَّ مَنْ بِرِّ الحج تركُ هذه المنهيات، فالحجُّ المبرورُ: ما جمع بين فعلِ المأمورات وتركِ المنهيات.

وقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ}: ترغيبٌ في فعل الخير من أنواع الطاعات القولية والعملية البدنية والمالية، وذكر العلمِ في قوله: {يَعْلَمْهُ اللّهُ} يتضمَّنُ الوعدَ بالثواب.

وقوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا}: أَمرٌ بأَخذ الزاد؛ وهو النفقةُ في سفر الحج، ولَمَّا أَمرَ تعالى بأخذ الزاد في سفر الدنيا نبَّه على ما هو أهمُّ منه وأعظم، نبَّه على زاد سفرِ الآخرة وهو التقوى؛ فقال تعالى: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}؛


(١) ينظر: «تفسير ابن جزي» (١/ ١١٥)، و «تفسير الفاتحة والبقرة» للعثيمين (٢/ ٤١٦).
(٢) وعزاه الماوردي لعمر، وابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، في جماعة من السلف. ينظر: «الأم» (٣/ ٣٨٧)، و «الحاوي الكبير» (٤/ ٢٨ - ٢٩)، و «المجموع شرح المهذب» (٧/ ١٣١).

<<  <   >  >>