للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المكذِّبون من الكفار والمنافقين إلَّا أَنْ يجيئهم اللهُ يوم القيامة في ظُللٍ من الغمام؛ أي: مع ظُللٍ، والظُّللُ: جمعُ ظُلَّةٍ، وهي: ما يستظلُّ به، ولذا قُرئ: {فِي ظِلَالٍ مِنَ الْغَمَامِ} (١). والغَمامُ: هو السَّحابُ الرقيقُ (٢)، يأتيهم اللهُ للفصل والجزاء، وتجيءُ الملائكة كما قال تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢٢]، فهنالك يحكمُ اللهُ بين العباد، ويصيرُ كلٌّ من المؤمنين والكفار إلى الجزاء الذي حكم اللهُ به من ثواب وعقاب، وقوله تعالى: {وَقُضِيَ الأَمْرُ} أي: فرغ من أمر العباد والحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، وفي مظالمهم، وصار كلُّ فريقٍ إلى الدار التي أُعدَّت له، وإلى الله ترجع الأُمور كلها، وهو يفعل ما يشاء، وكلُّ شيءٍ ينتهي إليه، قال تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى (٤٢)} [النجم: ٤٢]، ثم أمر اللهُ نبيَّه أَنْ يسأل بني إسرائيل -وهم اليهود الذين كانوا حول المدينة- سؤالَ توبيخٍ، كم آتاهم الله من الآيات البينات على أيدي رسله؟! وتلك نعمةٌ عُظمى عليهم، وواجبٌ عليهم الإيمانُ بها واتباعُ رُسلِ الله، فمَن فعل ذلك نجا، ومَن بدَّل نعمة الله كفرًا استحقَّ العقابَ، كما فعل اليهودُ بتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم مع علمهم بصدقه، ولذا قال تعالى: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب (٢١١)}.

ثم أخبر تعالى بإعجاب الكفارِ بالحياة الدنيا واغترارهم بزينتها، وزينها الشيطان في أعينهم حتى آثروها على الآخرة، ومن شدَّةِ غرورهم وفَرْطِ جَهلهم يسخرون من المؤمنين؛ فقال تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ}، ولمَّا كانت سُخريَّتهم من المؤمنين تدلُّ على احتقارهم بسبب أنهم فوقهم في حظوظ الدنيا؛ أخبر تعالى أَنَّ حالهم تنعكس يوم القيامة حين


(١) هذه قراءة قتادة، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع، وأبان بن ثعلب عن عَاصِم بْن مِقْسَمٍ، وهي قراءة شاذة. ينظر: «المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات» لابن جني (١/ ١٢٢)، و «الكامل في القراءات» لأبي القاسم الهذلي (ص ٥٠٢).
(٢) تقدم في (ص ١٣٢).

<<  <   >  >>