للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} أَي: يحلفون أَلَّا يُجامعوهنَّ {تَرَبُّصُ} انتظارُ {أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} رجعوا فيها أو بعدها عن اليمين إلى الوطءِ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لهم ما أَتوه من ضرر المرأةِ بالحلف {رَحِيمٌ} بهم. {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} أَي: عليه، بأَنْ لم يفيئوا؛ فليُوقعوه {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لقولهم {عَلِيمٌ} بعزمهم، المعنى: ليس لهم بعد تربُّصِ ما ذُكر إلَّا الفيئةُ أو الطلاقُ.

وقولُ المؤلِّف: (ما أَتوه من ضرر المرأةِ بالحلف): معناه: أَنَّ اللهَ يغفر للمؤلي إذا فاءَ ما ترتَّب على الإيلاء من ضرر المرأةِ، وهذا مشروطٌ بالتوبة واستحلال المرأة، وأَمَّا ما ترتَّب على الفيئة من الحنث في اليمين فإنه يُغفر بالكفارة.

وقولُه: (عليه): يُبيِّنُ: أَنَّ عزمَ يتعدَّى بـ «على»، فـ {عَزَمُوا الطَّلَاقَ}؛ بمعنى: عزموا على الطلاق، فحُذفَ حرفُ الجرِّ واتَّصل الفعلُ بالمجرور فنُصبَ به، وهذا ما يعرف بالحذف والإيصال، فجعل العزمَ على الطلاق مُقابلًا للفيء، فدلَّ ذلك على وجوبه، فإن طلَّقَ وإِلَّا طلَّق عليه الحاكمُ، فالمعنى: إن لم يفئ عند تمام المدةِ فقد عزم على الطلاق، ولهذا قال بعضُ أهل العلم: «إذا تمَّت المدَّةُ ولم يفئ بانت منه ولو لم يُطلِّق» (١)، والصواب: أَنه إذا تمت المدةُ فإنه يُوقَفُ فيُؤمرُ بالفيئة أَوْ الطلاق، فإِن أَبى الأَمرين طلَّقَ الحاكمُ (٢)، وفي حكم هذه الآية اختلافاتٌ وتفريعاتٌ كثيرةٌ.


(١) وهو قول الحنفية. ينظر: «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٤٢٤).
(٢) وهو قول الجمهور مع اختلاف في إلزام الحاكم الطلاق إن أبى المؤلي. ينظر: «مواهب الجليل» (٤/ ٤٩٦ - ٤٩٧)، وتكملة «المجموع شرح المهذب» (١٩/ ٤٤) وما بعدها، و «المغني» (١١/ ٤٦)، و «المحلى» (٩/ ١٨٤ - ١٨٥).

<<  <   >  >>