للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنفاقهم في وجوه الخير، وليس لهؤلاء المرائينَ مِنْ أعمالهم إلا ما نَوَوا لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمالُ بالنيَّات وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى … )) (١) الحديث.

وقوله تعالى: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ}: تشبيهٌ لِمَنْ يُتْبعُ صدقتَهُ بالمَنِّ والأذى بالذي يُنْفِقُ رئاءَ الناسِ، ووجهُ الشبهِ بينهما: إبطالُ الصدقة والنفقة، وكذلك يُشبِّهُ الذي يُتبِعُ صدقتَهُ بالمَنِّ والأذى بمَن شَبَّه به الذي يُنْفِقُ مالَهُ رئاءَ الناس؛ أي: بالصَّفوان الذي عليه ترابٌ فأَصابَه وابلٌ فتركهُ صَلْدًا، فدلَّ هذا التمثيلُ على أَنَّ هذه المُبطلاتِ للصدقة لا تُبقِي للعامل من أجرِها شيئًا. وقولُه: {وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين (٢٦٤)}: وعيدٌ للكافرين باللهِ، ومنهمُ المنافقونَ الذين يُنفقونَ أموالَهم رئاءَ الناسِ ولا يؤمنونَ بالله ولا باليوم الآخرِ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ} أَي: أُجورها {بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} إبطالًا {كَالَّذِي} أي: كإبطال نفقة الذي {يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} مرائيًا لهم {وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وهو المنافقُ {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} حجر أَملس {عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} مطرٌ شديدٌ {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} صلبًا أَملس لا شيءَ عليه {لَا يَقْدِرُونَ} استئناف؛ لبيان مثل المنافقِ المنفق رياءً. وجمعَ الضميرَ باعتبار معنى «الذي» {عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} عملوا، أي: لا يجدون له ثوابًا في الآخرة كما لا يوجد على الصفوان شيءٌ من التراب الذي كان عليه لإذهاب المطر له {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.

وقولُ المؤلِّف: (أي: أُجورها): هذا من التفسيرِ بالَّلازمِ؛ فإنَّ العملَ إذا بطلَ في حكم الشرع لم يترتَّب عليهِ أجرٌ.


(١) أخرجه البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واللفظ للبخاري.

<<  <   >  >>